ختلف هذه الملاحظة عن اغلب الملاحظات التي اكتبها او تكتب حاليا ً ... فهي لا تعزف علي وتر الثورة او تتناول الشأن العام من قريب او بعيد ... و لكنها شأن خاص ذاتي بحت و دون اي ترتيب مني او تنسيق ... فرجاء احترام هذا الامر , و مدعى كتابتي ان هناك امور قد لا يمكننا ان نوفيها حقها و لكن قد يكون اعترافنا بها نوع من رد الجميل , و الحقيقة ان الله وحده هو من يملك مقاليد الامور ... فأرجو من يمر هنا ان لا يبخل بالدعاء , فهو الغالي اليسير
بين اليوم و تاريخ 7 - مايو - 2006 خمس سنوات ... لكنها لم تكن كأي سنوات في حياتي , فقد امضيتها بدون أم , قد يقال ان الانسان لا يعد يتيما ً الا عند فقد احد الوالدين في سن صغير , لكن لا ادري اعتقد ان هذا التعريف يفتقر الي الدقة و الحقيقة ... فقد احد الوالدين ايا كان العمر هو من اصعب المصائب التي قد يبتلي بها انسان ,,, و الفقد علي بعد الادراك و الرشاد هو بالغ الصعوبة , فالطفل يدور في عالم الماديات رغم براءته ...لكن الناضج يحتاج الي المشاعر اكثر رغم خبرته , و من هنا تكون صعوبة الامر كلنا تقدم الانسان في العمر ... و لكني آمنت فعلا , انه قد يتركنا بعض الاشخاص لكن مهما مر الزمن فإنهم يعيشون بداخلنا ... احلامي عبارة عن مسلسل له احداث مركبة , و عندما تأتني والدتي رحمها الله في اي من احلامي , اعلم ان عقلي الباطن غير مستوعب لفكرة الرحيل و اراها دائما تعيش بيننا و لكن في حالها الاخير ...
الموت بشكل عام هو مصيبة , و هو المصير الاخير , و هو الاقرب الينا جميعا ً , لكننا ننسي او نتناسى او تأخذنا الحياة في خضمها و صخبها ... و العجيب انني من الشخصيات التي تشعر ان الموت قريبا ً منها للغاية , و في عدة احلام في مراحل مختلفة من حياتي كنت اري بعيني موت امي و كنت اهرع الي غرفتها كي اراقب انها لازالت تتنفس و احمد الله علي ذلك و اعود للنوم مرة اخري ... و رغم وصول مرض امي الي درجات ميؤوس منها و ايماني بحتمية الموت في حالتها لانها كانت مريضة للغاية مرض لا شفاء له ( و بعد كل تلك المقدمات النفسية ) الا انني حالما سمعت الخبر ... نزل علي كالصاعقة ... و اصبحت غير مصدقة بالمرة ...أذكر انه غلبتي دموعي صامتة حين اذ ... و اندفعت اصعد سلالم المستشفي - سبعة ادوار - في زمن قياسي و انا في شده انفعالي , لا اصدق او لا ارغب في التصديق او اشعر انه ( يحدث للاخرين فقط ) فنحن نذهب لحضور العزائات و نسمع القران ثم كل منا يعود الي حياته كما كانت و لا شئ يجذري يتغير لكني لم اخيل ان اصاب انا بهذا الامر في اقرب من كانوا لي و عندما اعود للمنزل لن تكون الحياة مثلما كانت قبلها ابدا ً... رأيت كل اهلي في حالة صعبة خارج الغرفة التي ترقد فيها ... و عند دخولي و رؤيتي لها ... لا ادري ماذا حدث , لم ابك و لم اتحدث مع احد , كل ما دار علي لساني هو سبحان الله و الحمد لله و فقط .... ادراك عظيم اني اري ايه من ايات الله عز و جل تتحقق امامي ... و ما جعلني اهدأ قليلا اني كنت اري آثار المرض الذي غير ملامحها تماما ً تتلاشي بسرعة واضحة ... كأن المرض اللعين هو الاخر يموت بعدما قضي عليها .... أدركت حين اذ ان دموعي و حزني عبارة عن انانية لأنها لن تكون معي ... و ما جعلني اكثر هدوء نسبيا ً اني اعلم الان انها في موقف احسن مما كانت فيه في تلك الدنيا الردئية ... يكفي انها لا تتعذب , فقد امضت مع المرض اللعين عام بالكامل دون اوقات راحة الا ايام معدودات ... كنا نتألم معها بالطبع , و لكنها كانت هي بطله العرض بلا منازع .... صبر عجيب و إيثار لنا( انا و اخي ) علي نفسها - رغم مرضها - بشكل فعلا لم اره من قبل او لنقل لم اشعر به من قبل
قبلها بعام لم تريد ان يفسد علي سفري ( لاني من عشاق السفر ) و لم يخبروني بأي شئ ( فكانت حالتها لازالت في البداية و مبهمة و كانت تكثر من زيارة الاطباء ) و فوجئت انها هي من طلبت منهم الكذب علي - بان حالتها مستقرة و انها بخير - حتي لا تفسد علي ما اخطط له !! لكن عند عودتي لم اجدها تحسنت كما قالت و لازالت تذهب للاطباء ( كان هذا قبل ان نكتشف الحالة فكنا لازلنا نعيش في ابهام ... تطور غريب لا تفسير له ) ... والصراحة ان الايمان القوي الغير صاخب الذي كانت تتمتع به كان يدهشني احيانا ً و اعتقد انه اعطاني دروساً عملية في كل القيم و المثل التي نراهم يتغنا بها بالكلام ... لكني مارستها بشكل قوي و قاس و عميق ... كانت هي و والدي الذي كان في غاية الدعم و التفاهم و الاحتواء و عدم التهويل و اجتياز الامر ( اعلم ان ابي اصيب بأكتئاب لقرابة عام بعد وفاه امي و لكنه لم يبده لنا حتي يجعل الامر طبيعيا ً علي انا و اخي ...و كان يشجعنا دوما ً علي ممارسة الحية و العودة الي طبيعة حياتنا حتي لا نستسلم للحزن و ااكتئاب و لم يحملنا ما لا طاقة لنا به بعد الوفاه , هو الآخر ضرب لنا و مازال يضرب لنا حتى الان مثال نادر و جميل و راقي علي قيمة الإثار و الرضا و الايمان العميق بالله دون صخب او تكلف ) كل هذا جعل الامر اهون ما يكون - بالنسبة لما اراه من رد فعل الاخرين عن هذا الامر ان ابتلوا به - و لكنه يظل امر جلل و صعب و ابتلاء قاسي للاية , لكننا لم نهول الامر و لم نعيش في دور درامي , اذكر انه كلما توافرت لأمي القدرة علي الحركة كانت تفكر في مشاريع تجعلك تشعر انها لازالت مقبلة علي الحياة و تمارس حياتها الطبيعية فعلا ... اذكر يوم ان قررت - رغم تعبها و لكنه لم يشتد للدرجة الهيبة التي كان معها قبل الانتكاسة الاخيرة و قضاء الاجل - ان تختار الوان جديدة كي نعيد فرش الاثاث و نزلت و اشترته مع ابي و جاء العمال و اخذوا الاثاث كي يتم تجديده و لكن قدر الله ان ينتهي عمرها قبل ان ينتهي التجديد و لم تري هذا الاثاث الجديد ابدا ً و لكن ما فقلته كان تجسيد رائع لمعني اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا ً رغم ان النهاية كانت اقرب لها من اي شئ آخر... كنا نعاني كلنا و لكن في هدوء و كنا نحتسب و نصبر و نتقبل الامر في هدوء ... اذكر انها اصرت بشدة ايضا ً ان اذهب الي حفل التخرج , لانها تريدني ان اعيش حياتي بشكل عادي و كانت تردد بايمان و سخرية انه مرض زي اي مرض و ان لا نهول الامور و فكنت انخرط في مثل تلك الانشطة و اعود لأحكي لها بحماس عن كل شئ و نتضاحك سويا ً - و من رحمة الله ان كليتي كانت بجوار المستشفي التي قضت بها اغلب اوقات المرض , و كانت لها حجرة خاصة و كنت اخرج من الكلية عليها - حتي اوهم نفسي اني اعيش حياة طبيعية و انه مرض مثل اي مرض و سوف يأخذ وقته ... و لكني كنت اعلم من قرارة نفسي انها مسالة وقت ... و ليمن الله علينا بمزيد من الدقائق نقضيها معا ً قبل الفراق ... و لكم كرهت الوقت و الساعات عندما كنت اري الدقائق و الثواني تنساب و تسوقني الي القدر المحتوم و تمنيت ان اهشم الساعات و اخرق سنة الوقت الكونية ... و مع ادراكي انه حتي لو تأتي لي ان اوقف الوقت ,,, فسوف يتجمد كل شئ و لن يتحرك لان الوقت متلازم من متلازمات الحركة ...ان اوقفت الوقت سوف اوقف الحركة ... و عليه فلن اتمتع بأي شئ معها ان استطعت و اوقفت الوقت بشكل عملي :(((((
علمني هذا الامر ان اتعامل بجلد غير طبيعي مع الاشياء و المواقف التي تجابهني ... و هذة التجربة بكل ما فيها و من فيها .. صنعت مني شخصية مختلفة تماما ً عمن حولي ....
سبحان الله في انه وصفه في قرأنه العظيم ( مصيبة الموت ) هو مصيبة و صدمة و معجزة ايضا ً بكل المقاييس حتي و ان جان مجيئة متوقع و حتمي ... ما الذي تغير فيها ؟؟ ما الذي اوقف التنفس ؟؟؟ اعلم كل السياقات العلمية التي سوف تساق في تلك الحالة و اعتقد انني عرفت سبب الوفاة المباشر لاني كنت لازلت طالبة في الكلية في آخر عام و العلم كان حاضر في ذهني ... لكني اسأل عن شئ آخر ... اسأل عن الروح و هي التي لن نعرفها ما بحثنا و ما حيينا أبد الدهر
رغم مرور خمس سنوات الا اني فعلا لازلت افتقدها و بشدة ,خاصة تلك الايام ... لازلت اذكر كم كانت طيبة و حنونة معي و مع اخي و مع كل اقاربنا و كانت المفضلة لديهم لكي يحكوا معها ... لازلت اذكر ابي و اخي و عمي و خالي و كم كانوا يبكونها بشدة و تفرجي علي كل هذا في حالة عجيبة من انفصالي عن الزمن و المكان و الحدث و الذهول ... كأني اعيش فيلم لست بطلته لكني مسؤولة عنه ... لازلت اذكر اصراري علي حضور الغسل بنفسي كي اطمئن عليها ... فمن غير المعقول ان اتركها للغرباء او الاقارب الاقل درجة و لا اطمئن عليها و هي من كانت ترعاني في صغري و ترحم صعفي طوال عمرها ... كانت كالملاك النائم و لم أشعر بالاساطير التي تنسج حول الموتي و لكني لا ادري لماذا شعرت - و ياللجنون - انها كانت مثل العروس التي يتم تجهيزها كي تزف الي مثواها الجميل بعد طول تعب و صبر ... رزقها الله بحنوط من السعودية جعل رائحة الكفن جميلة للغاية ... و قررت ان لا تكون انوثتي حائلا ً بين ان اطمئن عليها في مثواها الاخير كما اني متا قد قرأت ان العقل الباطن كي يصدق ان عزيز لك قد مات لابد ان تراه بعينيك اثناء دفنه ... فحضرت الدفن دون اي انفعال او نحيب الا اللهم قطرات دمع صامته ... بالطبع كان الحنوتية بضع ممن يمتهنون مهنة مهمة دون اي مراعاة للاداب الاسلامية الحقيقية ( الا معرفة ان النساء ممنوعات من حضور الدفن و فقط ) و لكني بمقوله واحدة صارمة و ثابتة ( وسعوا لي ) و نظرة متحدية افسحوا لي الطريق لأمر ...
نزلت القبر معهم كي اري ماهذا المكان المهيب الذي سنذهب اليه كلها لا محال ... للعجب لم يكن الامر مقبض للغاية بل وجدته مكان فسيح عادي لا روائح ولا اي شئ فيه ... فقط شعرت ان هذه الدنيا غاية في الهوان و انه هناك عوالم اخري لا نعرف عنها اي شئ و لكن الانسان غاية في الغرور و الصلف ... ابتسمت ان الجميع يتجمع في هذا المكان و انه لي قريبات من ناحية الوالد يرقدون بجانب والدتي ايضا ... الامر متكرر و مألوف اذن ... بعد خروجي لم استوعب للخطات اننا سنتركها هنا ... وحدها ... اريد ان اظل بجانبها كي اطمئن عليها ... لم يكف اخي عن الدعاء و صديقاتي العزيزات رفيقاتي عن قاءة القراءن لكني لا ادري لماذا لم استطع النطق بأي شئ ... ربما استحضرت اننا كلنا سنمر بهذا الموقف ... نريد الكلام و الحديث ... لكننا لا نملك السنتنا ... رغم كل هذا لكني لم اشعر بأي انقباض و لكني بأقبال علي الله و نظرة اخري للحياة ... تلك النظرة التي اخبرني عنها ابي قبلها بأيام عندما شعرت بإقتراب الاجل , قلت له يا ابي اني لا اتخيل كيف سأعيش بدونها ... كيف ؟؟ قال لي ستعيشين و ستمر الحياة ( كان ابي قد عاصر وفاة والدته في اثناء إمتحانات الثانوية العامة له و عاصر وفاة والده بعد ولادتي بعام ) سنذكرهم و لكن الحياة لا تقف علي اي شئ ... ولا حتي سيدنا محمد اعظم الخلق , الرسالة اكملت بعدما أدي الامانة , لحظات صعبة لابد ان نتذكر ان الموت و الحياة اساسا ليست بيدنا .. من خلقها هو من يملك علي قبضها .. و هي حكمة لا نملك الا التسليم و الحمد و الصبر لان امره نافذ ... فالصبر اولي ...
و فعلا شعرت ان الله يربط علي قلبي بشكل لم اتخيله موجود اساسا ً , فعلا ً ما انزل الله من ابتلاء الا و انزل معه القدرة علي التحمل ..
هناك بعض الاشخاص حتي و ان فقدناهم لكنهم يعيشون بداخلنا ...في قلوبنا ووجداننا ...سنذكرهم و نشتاق اليهم ما حيينا سيموتون بموتنا نحن , و هناك بعض التجارب لا تخرج منها أبدا ً مثلما تدخلها ... انني تذكرها و ابتسم لاني قتلت الانانية التي كانت بداخلي ,كنت اريدها بجواري حتي و ان تعذبت ... انني افضل الان بُعدها لتكون هي في مكان افضل دون عذاب و في راحة و سعادة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق