اك إشكالية مهمة للغاية لها تبديات عديدة في كثير من حياتنا و قد لا ننتبه إلي اصلها الفكري .
رأيت أخ فاضل كريم يشيد بموقف فتاة إنتقد عرض فيلم من أفلام السرسجية في وسيلة مواصلات عامة و تحدثت للسائق بعدم عرضه , من منطلق ان تلك النوع من الثقافة لا ينبغي أن ينتشر و أن لا نروجه و قد إنقتنع السائق بوجهة النظر هذه . و في التعليقات علي هذا الموقف , وجدت رد يقول أنه ليس لها أن تعترض على مثل هذا التصرف لانها بذلك تنكر حقيقة واقعية و هذه هي اللغة التي يتحدث بها الشارع و لا ينبعي أن ننكرها و نتجاهلها .
كثيرًا ما يتم الترويج لفكرة قبول العيال اللي شكلها غلط " ما يسمى بالسرسجية " كأنهم جزء من بنيان المصريين لابد من قبوله و الإعتراف به و عدم إنتقاده و تغييره و الا كنت ممن يرفضون الواقع و تريد أن تعيش في برج عاجي بعيد عن الناس . لابد من التنبيه أن هناك نقطتان لابد من التمييز بينهما .... نقطة عدم التعالي على الآخرين بسبب فقرهم أو إختلاف طريقة لبسهم عنا , و نقطة التطبيع معهم و قبولهم كما هم دون أي إعتراض ... و لابد من التفريق بين السلوكين . فالفقر ليس سبه و لا أحد يختار أهله ولا المكان الذي يولد فيه و كيف يكون مستواه . أعرف فقراء للغاية و تجوز عليهم الصدقة و لكن لا يتحدثون بهذه الطريقة الفجة و لا يضعو الجيل الكثير علي شعرهم ولا يكون تلات اربع حديثهم سب بالأم . فليست هذه هي الهيئة الرسمية للفقراء ... أبدًا , هناك من تظنهم عاديين فعلا و تفاجأ بمستواهم المادي عند الإقتراب منهم ... .
و لكن لماذا نرفض الإرتقاء بالذوق العام ؟؟ لماذا لا نحاول أن نُعَلم الناس كيف يلبسون و كيف يتكلمون و كيف هي الآداب العامة ؟؟ أليس هذا هو التمدن و الرقي و التحضر ؟؟ ألسنا نحن ما نعيب علي المصريين صوتهم العالي "الفضيحة و شكلهم اللي يعر " لو سافر أحدهم و تواجد وسط أجانب متحضرون يعرفون معني الفراغ العام و كيف أنه ليس ملكًا لأحد كي يفعل فيه ما بدا له ليلقي اوراق القمامة في اي مكان , و ليتحدث بصوت عالي او يدخن في مكان مغلق او يستمع لتسجيل بصوت مزعج للآخرين ؟؟ لماذا يكون قبول الآخر في إنحطاط الذوق فقط و ليس في اي شئ آخر ؟؟ بل و نحاول أن نتغاضي عن فكرة ان هذا السلوك قبيح كي لا يكون هناك رغبة أو دافع حتي في ان يتغير للأفضل ؟؟ سنقول و ما هو الأفضل .. فليس الأفضل هو ما تفعله أنت , بالطبع فلست انا المقياس و لكن هناك بديهيات للذوق عند جميع البشر ... ما يحدث ببساطة هنا ليس ابدًا قبولًا للآخر و لكنه قضاء علي بديهيات الناس في الذوق و التسوية بين الممجوج و الجمال بدعوي عدم قبول الآخر . وجود تلك الفئة من الناس تذكرنا بمسؤولية الجميع في تغييرهم ظروفهم اللا آدمية و العمل علي تعليمهم و رقيهم و تغييرهم للافضل و ليس القبول و الإعتراف بهم فقط ليبقوا علي حالهم بل و ننجرف نحن لسلوكهم !!!
========================
بشكل عام فكرة القبول بالأمر الواقع و عدم الرغبة في تغييره بتصب مباشرة في فكرة ان لا أحد يحتكر الحق
----> لا توجد مرجعية ثابتة لأي شئ و كله يتحدد تبع مزاج الناس فقط -------> الصواب و الخطأ نسبي و هذا ما ارفضه بشدة . الخطأ سيظل خطأ و الصواب سيظل صوابًا . و هذا لا علاقة له بالطبع بالتنوع الطبيعي بين الناس فهذه قضية أخرى يتم الخلط بها بتعمد كي تضيع الثوابت , فيظل التنوع في إطار معين لو خرج عنه فسد الأمر تمامًا . و هذا لب فلسفة السيولة و التسوية بالمناسبة .أذكر أن الدكتور المسيري (رحمه الله ) يقول في قضية الإعتراف بالسئ يقول عن اسرائيل , أنه لا يعترف بإستحقاقها في الوجود , فهي موجودة فعليًا و لكن علينا أن لا نعترف بها . نتعامل معها كما نتعامل مع مرض السرطان . هو مرض و موجود و لكننا نرغب دائمًا في استئصاله و القضاء عليه . أعتقد أنه هكذا لابد أن نتعامل مع كل تشوه في حياتنا لا نعترف بإستحقاقه في الوجود و لكن لابد ان نقاومه دائمًا لنقضي عليه .
=======================
أظن أن الغرب بكل تحرره و إنفلاته عما نعتقده صواب إستطاع الفصل بين القضيتين . فلم يتم القضاء تمامًا علي البديهيات السليمة في جميع المجالات فلا يزال هناك بديهيات يلتزم بها الجميع تحقق لهم الرقي ( في قضايا معينة فقط تم إنتكاس الفطرة و لكن ليس كلها )
و يمكنني أن أدلل علي ذلك من خلال مظهرين ... الأزياء و الموسيقي ....
فلا أنسي اليوم الذي كنت فيه في جامعة القاهرة ( حيث الطالبات المصريات ) ثم مررت علي الجامعة الأمريكية ( حيث الفتيات الأجنبيات ) لأجد الإبتذال الواضح جدًا في زي المصريات , فعلي الرغم من وضعهن لغطاء رأس إلا أن الأجنبيات كن يرتدين ملابس اكثر إحتشامًا منهن تي-شيرت واسع و بنطلون جينز ليس ضيقًا بشكل مستفز ... لبس المصريات لا يكون الا للذهاب لحفل راقص بكم مساحيق التجميل و الألوان الصاخبة و ربطات الإيشارب المعقدة جدًا . أعتقد أن التحضر في الملابس واضح لأي فريق تميل الكفة .
والمعيار الآخر هو الموسيقي هناك لذا ستجد لديهم كافة أنواع الموسيقي الراقي و الصاخب و الهادئ . و لكن هنا لانه تم تدمير البديهيات بالتدريج سنجد أن موسيقي المهرجان هي التي تلقي رواجًا ملحوظًا و هناك من يصارعون للبقاء ( عمر خيرت و ياسر عبد الرحمن فقط في مقدمات المسلسلات ) و هناك أنواع تندثر تلقايًا لانه لا يوجد لها مستمعون . ربما كان معيار الموسيقي ليس جيدًا لان هناك من يرفضونها لسبب عقيدي و لكن حتي في الغالبية التي لا ترى رفضًا عقائديًا يتردي الذوق للغاية .
تمسكنا بالثوابت ليس ضد الحرية هذا خلط كبير في المفاهيم . فالثوابت الأساسية هي ما تفرق بين أمة متحضرة و أمة همجية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق