الأحد، 9 أكتوبر 2016

الغربة هي قدرنا FB


يحدثني محمد عن جداته ... والدة والدته ووالدة والده .. و عن جدات اصدقائه ...و اسرح بخيالي ، فأنا لم اختبر قط هذه النوعية من المشاعر ابدًا فلا اعرف لها معني ، كالاعمي الذي لم يرى الالوان قط فمهما حكوا له لن يفهم ما يتحدثون عنه و يصفونه ... هي شئ جميل و و فقط ، و هذا من رحمة الله بنا .
لم اعاصر من من اجدادي/جداتي لوافتهم و ابوي صغار . والد والدي ووالدة والدتي توفيا في نفي العام بعد مولدي بسنة واحدة . و ها هي والدتي قد لحقت بهم هي الاخرى منذ ما يزيد عن عقد . ثم ها انا قد تركت مكان ولادتي و صباي و بداية الشباب و تكوين الصداقات في القاهرة التي احبها و يختلف معي تقريبًا كل من اعرف ، عذرهم انهم لم يروها بعيوني و من رأوها بعيوني احبوها من بنات عروس البحر المتوسط . حاليًا انا فرع وحيد في ارض غريب ...
لم يعد لدي سوى والدي العزيز الجميل ... أظن ان فكرة العائلة الممتدة فكرة جيدة ، انا احب الناس عمومًا و لكن تكالبت الظروف لتحول بيني و بين هذا ... يحكي لي والدي - اول من لفت نظري لهدم اسطورة النوستالجيا و لم افهم ذلك الا بعد كبري - و يقول ان جيلنا اسعد حظًا نحن نحاول تلافي العيوب التي حدثت معنا فيكم ... كانت ظروفنا قاسية و لم يكن هناك ترف ولا تنوع ، نعم لم يكن هناك من يفسد الاجيال خارجيًا كالتليفزيون و لكن لم يكن هناك العناية الفائقة بالاولاد هكذا ... كيف ستكون هناك عناية فائقة ب 5- 7 اطفال ؟؟ كنا نتربي حسبما اتفق و خلاص . بيت العائلة لم يكن هو الجنة بل كان هناك اضغان و احقاد دفينه و غيرة بين النساء بأطفالهن / مال ازواجهن او اي شئ ... كان طبعا مخففا عن الان و لكن الطباع البشرية هي هي ..
--- ربما هو حلم بالانسان الفطري بالفردوس المفقود منذ ان خرج من الجنة ... و لكنه لا يتذكر الجنة فيتذكر ابعد شئ قد تصل له ذاكرته ليصبغها صبغة الفردوس المأمول و يتناسي عيوب تلك المرحلة التي بالمناسبة لم يكن يشعر بكل هذه الطاقة عندما كان يحياها بالفعل . --- تلك الظروف ليست هي الظروف المثالية ... و لكن لابن ان لها مميزات ، فالله عادل و لكننا نغفل عن مكمن عدله بتوهم فردوس لم و لن يحدث . ربما كانت من ضمن المميزات هي وجود شكل مختلف من روابط البشر ( او من اعرفهم علي الاقل ) حسب رحم الحق و التألف الفكري و الاخلاقي ... و نبذ ما دون ذلك و لو كان من العائلة .... احيانا تعاديك العائلة اكثر من اي شئ . لم تعد العزوة اذن بشكلها التقليدي في العائلة او الجنسية او القبيلة او اي من تلك الانتمائات التقليدية . هذا الوضع المتشظي نتاج العصر الحديث و لكني لست من صنعه لذا لابد ان يكون هناك وسيلة ما تكسر تلك الدائرة . كان في كل عصر هناك تحدي لافراده لينجوا بأنفسهم ... فيما مضي كان التنميط الشديد و القولبة الخانقة للابداع و التفرد ، فهربنا ... حاليًا بعد ان ذهب كلٌ لحال سبيله ، بدأنا نبحث عن المشتركات و ما يجمعنا مرة اخرى . فالفردية المطلقة هي الموت . جلست افكر في هل استطاع احد ان يتغلب علي مغضلة غياب العائلة و يعيش حياة نسبيًا سوية ؟ جائني العزاء في خير البرية محمد صلي الله عليه و سلم ... لقد كان وحيدًا فردا في زمن القبائل و العصبيات و العزوات . و رغم اني لست رجلًا و لكن الزمن الحالي اذاب فروق كثيرة كانت تعترض النساء فيما مضي ( من حسن حظي ) فلم يعد هناك فارق كبير ... و لكنه استطاع بالصحبة و الزوج و العم فقط ان يعيش . العبرة اذن بالبركة النوعية في الصحبة التي يختارها الله لنا و ليست بالعدد أو ما نسميه حاليًا العزوة . لا يمكن لخيالي تخيل شكل الحياة القادم خلال عشرة سنوات مثلا بعد تسارع الهجرة و انهيار البلد و حركة الناس منها ، و لكن اظن اننا جميعًا نعيش في حالة غربة بأشكالها المختلفة .. اما لانتقالنا من مكان مولدنا و ترك احبابنا ، او لسفرنا او حتي لو بقينا معهم فهم فكريًا غيرنا تمامًا و نشعر معهم بغربة فكرية و نفسية و ننعزل عنهم رغمًا عننا . لا اريد ان اعيش في هذا المقال في دور الضحية ، و لكني فقط اعبر عن حالة اصبحت شبه عامة ، فالتشارك في الهم جيد كي لا نشعر اننا سقطنا من قعر القُفة :D ثقتي في قوية انه لن يضيعنا حتي لو لم يكن لها اي دلالات مادية . من ثبتنا علي الحق بعد كل ما حدث ، لن يضيعنا ان شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق