أذكر المناسبة بدقة أو حتى الجملة التي قلتها لوالدي ..كانت تقريبًا أمنية تمنيتها أن أعيش في عصر النبي و البعثة . قال لي و هو ما اذكره جيدًا هو أن المرء قد لا يضمن في أي موضع قد يوجد حتي و إن كنا نراه في يومنا هذا عصر جميل , أليس من الممكن أن تكوني مكان أبا لهب الذي كان يحارب الرسول أو زوجته حمالة الحطب التي كانت تضع له الشوك أو اي من المنافقين أو أي شخص ليس بالضرورة يهتدي للإسلام ؟؟ ليست العبرة بالعصر إذن و لكن العبرة بمكاننا فيه . أعجبتني تلك الحجة كثيرًا , و لكن كلما كبرت كلما فهمت أن لها أبعاد أعمق مما يبدو ظاهريًا .
*****************************
التجربة الإنسانية مختلفة تمامًا عن التجربة الحضارية . التجربة الإنسانية ذاتية لابد أن يخوضها المرء بنفسه , تبدأ كقصة جديدة تمامًا مع كل إنسان يولد و تنتهي معه بموته . قد نتشابه ظاهريًا في الإحتياجات , جميعنا يحتاج لمشاعر الأبوة و الأمومة ... نحتاج للأصدقاء و الصحبة و العائلة , نحلم بالحب من النوع الآخر و الزواج منه و تكوين أسرة , و أن نشعر بمشاعر جديدة تجاه الأبناء ... نحتاج لنشعر بقيمتنا و أن ننجح في عمل نحبه و نجيده و يجعل لنا قيمة إجتماعيًا , نسعي للغاية الكبرى و السؤال المؤرق , لماذا نحن و كيف وجدنا و كيف كنا من قبل و ما هو مصيرنا النهائي ؟؟؟ لذا الحديث عن النفس و الإنسانيات لا يمل منه ....
عكس التجربة الحضارية و التي هي تراكم كمي مادي لنشاط و فعل الإنسان خارجيًا . يتطور هذا النشاط بتطور الإنسان ( إستثناء انه لا يتطور في منطقتنا العربية و لكنه يتطور في كل العالم من حولنا ) ككل المخترعات الحديثة حولنا . الحديث في تلك الأشياء يتقادم , لانه تظهر علوم جديدة دائمًا تحل محل القديم أينعم هناك اساسيات لا تتغير نبني عليها دائمًا و لكن هناك تطور في المنتج النهائي يتغير دائمًا .
و بناء علي التصنيف السابق , فتجربة الإيمان ( الأسئلة الكلية و النهائية ) هى تجربة إنسانية ذاتية بإمتياز . لا تتقادم بتقادم الزمن . سيظل هذا السؤال يواجه كل إنسان يولد من جديد علي تلك الارض و يواجه هذه الحياة . هذا كلام معروف و قديم ....
ما المشكلة إذن ؟؟
لا توجد مشكلة , و لكني مع تأملي وجدت اننا نستغرق في الماضي أكثر مما ينبغي ولا نضعه في موضعه الصحيح حتى نرغب في أن نحيا به , صحيح أن الرسول عليه الصلاة و السلام قال خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه , و سكن , اي أن أول 300 عام هم الأفضل ...
و لكني أيضًا مؤمنة بعدل الله حتي في إختلاف القرون و الأزمنة , فقد قال الرسول أيضًا الخير في و في أمتي إلي يوم الدين , فلن ينعدم الخير الجزئي إذن حتي و إن قل الخير الكلي ....
هناك دائمًا أمل في أن نكون و نلحق بهذا الخير المذكور إلى يوم الدين .
من يرغب في أن يعيش في زمن النبوة غالبًا ما يرى النتيجة النهائية ( أو التي يتخيلها نهائية لإنتصار الخير آن ذاك )و غالبًا ما يغفل عن أمرين :
1 - أن تلك النتيجة لم يكن ليصوا إليها إلا بشق الأنفس ... لنتصور تصور خرافي أننا جمدنا الزمن في أول 9 أعوام من البعثة حيث مقاطعة قريش للمسلمين , و سألنا كل فرد فيها عن رأيه فيها يحدث . كان المسلمون يسامون سوء العذاب و لا ينبئ باي خير لم يكن لهم أي بارقة أمل منطقية من أي نوع . هل كانوا يعلمون الغيب ليثبتوا كل هذا الثبات و يتأتى لهم النصر ؟؟؟ نحن نرى الأمر بأثر رجعي و لكن عند معايشة المعاناه و الحدث نفسه يكون الأمر جد مختلف .
2 - أنه لا يوجد إنتصار درامي في الدنيا , تصدح الموسيقي المؤثرة و تغلق الستارة و تنزل كلمة النهاية و يذهب الجميع للمنزل فرحين مسرورين ... ليس الامر بهذه البساطة.. مادامت الحياة موجودة سيكون هناك صراع أبدي . يمكن أن نراجع السيرة ... متى استراح المسلمون ؟؟ هل بعد فتح مكة ؟ أم بعد وفاة النبي ؟ أم بعد تولي ابو بكر الخلاقة ؟؟ أم بعد حروب الردة ؟ أم بعد تولي عمر ؟؟ أم عند استشهاده , .... إلخ , يمكننا ان نستمر في التساؤل حتي يومنا هذا و سنصل إلي نتيجة أنه لا توجه نهاية حقيقية للصراع . فقط كل يدلي بدلوه الفترة التي قدر له فيها أن يخلقه الله و يشهد هذه الملحمة البشرية القديمة . و سنرى النهاية الحقيقية في الآخرة إن شاء الله .
**********************************
عندما نزل الوحي علي النبي , نزل عليه و لم يكن قد مارس تلك التعاليم من قبل , و لكن يكن لديه الوسيلة للتأكد هل هذا كلام صحيح و فيه صلاح للدنيا و الآخرة أم لا , خاصة الوضع الإقتصادي و السياسي لقريش مستقرًا نسبيًا فلما يترك ما هو مستقر من أجل ما هو مجهول , و ليس مجهولًا فقط و لكن سيجر عليه ويلات من كل نوع لا تحصى ؟؟
أعتقد أن التحدي الأكبر و الأعظم في أي وحي و أي رسالة إلهية هو أنه ينتقل بك من الماديات إلي مصاف الأفكار المجردة . الأفكار التي لم تطبق بعد . أنت تسير وراء الفكرة بشكلها المجرد , تريد أن تطبقها , قد تتداخل أهواء , قد يجور عليها ضعف بشري , قد يعيبها سوء فهم من البعض , فهذه هي المعركة الذاتية التي ينبغي أن يخوضها كل إنسان . و لكن تظل الفكرة المجردة هي المرجعية الحقيقية و الوحيدة لنا . و هي التي ينبغي أن نسعى لتطبيها .
ألا يذكركم هذا الكلام بمأساتنا المعاصرة ؟؟
نعم . فنحن و ياللمفارقة بعد كل تلك السنوات عدنا لما يشبه نقطة الصفر . إعترانا جهل و تخلف و عصبية و عدم فهم كبير , أدت الممارسات المشوهة لجماعة الإخوان أو السلفيين السياسية في تنفير فريق كبير ممن لم ينشأوا علي تعاليم الإسلام الصحيحة و فهم سليم له . و اصبحنا نسمع عن زيادة معدل الإلحاد . هل مقبول أن نعزو إنكار فكرة كفرة الإسلام لتطبيق خاطئ لمثل تلك الجماعات ؟؟؟
للأسف الشديد من يفعل ذلك يخلط تجربة ذاتية لابد أن يمر بها هو بفسه ليكتشفها بممارسة الآخرين الخطأ لها . الامر ليس تراكميًا فهي ليست تجربة حضارية . و ليس لأن أحدهم قدم صورة خاطئة عن الإسلام أن نكفر بالإسلام ككل . طبعًا كلامي غير موجه لمن لا يعترف بالتجربة الإيمانية عمومًا فهذا مستوى آخر ليس مجال حديثنا ها هنا . يذكرني تشابة الحكم ( و طبعًا ليس المثل نفسه ) بمن يكره الزواج و يكفر بالحب فقط لأن له صديق غبي لم يوفق فيه و لم يفهمه قبل ان يخوض تلك التجربة فقرر صديقه بالنيابة عنه ان يعمم ان الزواج تجربة فاشلة من بابها !! التحدي الذي واجهه المسلمون الأوائل نواجهه نحن و لكن بصورة أخري , كيف يمكن أن نجرد أفكار الوحي و لا نحكم عليها من نماذج سابقة ؟؟
هم لم يكن عندهم مثال سابق و نحن لدينا مثال تم تشويهه تمامًا فلا يعنينا من شوهوه و لكن يعينا المعين الأساسي من الأفكار .رحلة الإيمان و البحث الحقيقي عنه من أصعب ما يمكن أن يواجه المرء , و لابد ان يستعين عليها بالدعاء الشديد حتي يهديه الله ... و ليست بالضرورة أن تكون في أيام النبي كي تشعر بها . التحديات موجودة هاهنا و لديها من الصعوبة و التشوية ما يكفيها .... فهل قبلنا التحدي و كنا أهلًا له ؟؟
اللهم أرنا الحق حقًا و ارزقنا التباعه و ارنا الباطل باطلًا و ارزقنا إجتنابه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق