مقدمة للتمهيد
يقول لصاحبه و هو في بدايات الحياة الجامعية و حماس الشباب يملؤه , عندما يتحدثون عن طموحات المستقبل :
ناوي إن شاء الله اتجوز بنت حلوة , تجيب لي عيال حلوين زي عيال الإعلانات اللي تفتح النفس دي ... العيال عزوة بردو و حلو لما يبقي حد اسمه فيه اسمي ,,, صحيح اني تربية المدينة بس اصولنا في البلد عريقة , يعني لما يبقي فيه كفر بحاله اسمه علي اسم جدك بيبقي لك وضعك بردو ...
يريد عليه صاحبه العقلاني إبن المدينة الخالص :
و كان جدك بقي فتح عكة علشان يسموا الكفر علي اسمه ؟؟ يابني دي كلها مسميات فارغة . و بعدين مع احترامي يعني في النهاية دا حتة كفر في بلد في الريف ... الحياة فيه متغيرتش يجي من متين سنة . مصر يابني دي كلها علي بعضها كدا من الدول اللي داخلة تصنيف الدول الفاشلة من سنة 2005 , انا اصلا مش ناوي علي جواز و لو حكمت مش هخلف !! أخلف ليه اصلا ؟؟ انت عارف العبيد في امريكا , أغبى شئ كانوا بيعملوه انهم يخلفوا ... بيزودوا القوة العاملة للأغنيا و الحتمية التاريخية بتقول ان ابن العبد هيفضل عبد و ابن الفلاح هيفضل فلاح ... فيبقي ليه اخلف ؟؟ علشان اورثهم الجنسية العرة دي ولا علشان اورثهم الفشل اللي انا فيه ؟؟ انا مليش عزوة و محدش عامل لي خميرة ولا سايبين لي شقة يعني لازم ابني نفسي من الصفر , و للاسف انت لازم علشان نبقي كويس تبدأ من عشرة مش من الصفر حتي لأن الصفر في مصر مش آدمي , احنا ملناش اي قيمة في الدول ... انت جربت تسافر اوروبا كدا ولا امريكا ؟ بتعامل معاملة درجة عاشرة و يجي الاجنبي يتعامل هنا معاملة درجة اولي اعلي من ولاد البلد اصلا ... أنا لو هتجوز هتجوز بت اجنبية و عيالي ياخدو الجنسية و استقر برا بقي و اعيش بني آدم بجد .
====================================
من تزوج في مصر يحسب أنه تخطى عقبة رهيبة و هي أن يجد نصفه الآخر , و يظن أن عقبات حياته قد إنتهت , ليفاجئ - بعد وقت طال أم قصر - أنه أمام تحي لم يحب حسبانه أو لنقل أنه لم يدرك أبعاده , و هي عقبة تربية الأبناء في مثل هذا المجتمع المأفون .
بصراحة شديدة و قبل أن اكمل , أرجو أن لا يتقمص أحدهم دور الناصح أو العليم ببواطن الأمور , ما مر من تجارب تربية لا ينفع في هذا العصر لان الظروف و الأخلاقيات و الإمكانيات تتغير بشكل سريع جدًا ... نعم قد نكون صغارًا أو حديثي السن و لكن صدقًا ليس دور الناصح هو الدور المنشود , ما ننشده هو الإنصات بعمق و الحديث بشكل إيجابي لا تسفيه مشاكل الآخرين .
نعم . فالمجتمعات لا تتربي في حينها و لكن يظهر تأثير الظروف الإجتماعية علينا بعد 15-20 عام . فنحن نتاح تربية عصر من منتصف الثمانينات لمنتصف التسعينات . لم تكن السماوات مفتوحه كما هي اليوم , لست ضد الإنفتاح و لكن لابد ان يواكبه تطور في منظومة المفاهيم لتوازن هذا الإنفتاح ... و لكن الإنفتاح دون بنية قوية يعتبر كارثة حقيقية ... هل اؤمن بالحتمية ؟؟ بالطبع لا , فهناك دائمًا المتمرين الذين يقفون لهذه الحتمية و يثورون عليها , و لكني هنا لا اعني القلة الموجودة دائمًا و لكني اقصد السواد الأعضم الذي يبني الدول ... للاسف السواد الأعظم في طريقه للإنحدار علي كافة الأصعدة .
هل هذه بيئة صالحة لتربية الأبناء ؟؟
هل هناك ما يسمى بالقيم الجمعية التي تجمع الناس في مجتمعنا أم أصبحنا مجرد تجمعات منفصلة يجاهد كل فصيل منها ان يجد قوت يومه ليتمكن من البقاء علي قيد الحياة و فقط ؟؟ أصبحت الأخلاق شئ تقابله بالصدفة لو دعت لك الحاجة في ساعة رضا . لكنه لم يعد الاساس في العلاقات للاسف .
هناك عدة معضلات تواجهنا و لابد من الدراية بها لنتعامل معها .
- العزل الصحي :
يقول البعض أنه يريد التحرر من قبضة الدولة و سيربي أبناؤه بنفسه و لن يجعلهم يذهبون للمدارس , حسنًا , قد يكون الحل نظريًا جيدًا و لكن هناك مشكلات عديدة تجابه هذا الامر , و هو الإنفصال الكامل عن مجتمع مفروض علينا و هو الأغلبية شئنا أم ابينا ... كما أن الإنعزال التام له سلبياته التي ينبغي إدراكها للتعامل معها , لسنا نمتلك القوام الإقتصادي الذي يجعلنا قادرين علي اقامة دورة حياة كاملة بمعزل عن الدولة ( مواصلات - بيوت - اماكن ترفيه و انشطة و رياضة - تعليم و ثقافة و أعلام و فن - تعليم و اخيرًا حياة اجتماعية و زواج و ابناء نستطيع التكفل بهم و شغل وقتهم 100% ) أقرب نموذج يفعل ذلك هو مسيحيو مصر , و لكنهم لا يزالوا يتعاملون بشكل أو بآخر في اطار الدولة , تمارس عليهم ضغوط و يحاولوا ان يمارسوا عليها ضغوط و ذلك لوجود بعض نقاط القوة و التخويف المتبادل . لن نتمكن من فعل ذلك في الوقت الراهن , لست ضد هذا الإتجاه بالتأكيد و أتمني له النجاخ و الشيوع من كل قلبي و لكنه علي الصعيد الشخصي غير متوافر لدي ...
- الكفاءة الفائقة :
يُقصد أن يكون المرء مؤهل فوق امكانيات مجتمعه و لا يستطيع مفارقته في الوقت ذاته . أكثر من رايتهم يواجهون تلك المعضلة هن صديقاتي المثقفات في صعيد مصر , هن أغلب من الغلب , لأن إمكانيات الصعيد اصلا معدمة و مُهمش منذ فترة طويلة و لا يزال ... و الفتيات ليس في مقدور جميعهن السفر للعمل و البقاء وحدهن في القاهرة أو مدن الفرص بوجه عام . و هن لا يجدن من هو مؤهل لهن في محيطهن الضيق كي يتزوجنه . فهن لا يمكنهن تغيير واقعهن و لا يمكنهن في الوقت نفسه تركه :(
يحدث هذا ايضًا عندما يكون الشخص مهذب للغاية او علي خلق يتعامل مع سفلة الخلق , يظن ان اكرامه سوف يجعله طيع له و في الحقيقة ان سفلة الناس لا يتفاهمون الا منطق القوة , لو اديتهم علي دماغهم سيحترموك و هذا عكس الانسان السوي الأصيل الذي يلين بالحسنى و يأسره المعروف . صدمة تعامل النظاف بشدة مع مجتمع قذر تكون مأساويه , فالحل ان يكون الإحترام بحساب , و وضع الأخلاق و التعامل بها مع من يستحقها . فالأسماك لا تعيش في المياة المعقمة . ما هو القدر المناسب للتعامل الصحي ؟؟؟ للاسف هذا امر تقديري بحت و لا يمكن الإتفاق عليه .
- الإحباط الوجودي و التنازل عن القيم :
في المجتمعات الفاسدة مثل مجتمعنا , لا يكون تقلد المناصب لمن هو كفئ و لكن لمن يكون له محسوبيه أو من يدفع رشوى , و كلاهما يودي بالمصلحة العامة للجحيم . فيبذل المرء قصارى جهده ثم لا يجد في ا لنهاية أي تقدير لموهبته أو لأي شئ حقيقي يتميز به . فيشعر انه بلا معني لأنه لا يجد متنفس له ليمارس كفائته الإنساية ... و يكون مطالب في الوقت ذاته ليتماهي مع تلك المنظومات الفاسدة بتسكين جزء من ضميره لتمرير بعض الفساد كي يستطيع ان يترقي أو حتي أن يجد لنفسه مكان ليعمل . أو ان يظل مهمش طيله عمره ولا يكون هناك اي استفاده حقيقية من مجهوده . كيف يمكنني أن اتعامل مع ابني/ إبنتي المجتهد/ة إن جد و تعب و رتب و طلع من أوائل دفعته و لم يعين كمعيد فقط لأن مجلس ادارة القسم يريد تعيين إبن الدكتور/ة فلان/ة مكانه ؟؟
هذه بعض من الأسئلة التي وجدتها تشغل بال كثيرين ممن لديهم طفل واحد , هناك من لا يريدون اطفال من الأساس لأنهم يرونه تحدي غير مجدي في النهاية , و الأفضل ان استمتع بحياتي انا و لا أضيعها علي آخرين لن يردو الجميل او قد يقتلون فقط هكذا ... هناك من يقول اننا سننقرض , و هناك من يرد عليه و يقول انه لا يضيره الإنقراض طالما اننا سنموت , فماذا يهمني بعد موتي و لماذا اكترث لتلك الحياة القاحلة القاتلة اصلا ؟؟ هناك من يقول ان هذا استسلام معيب للأقدار و انه لا يصح ان نفكر هكذا ... فليس معني فشلنا هو أن ابناؤنا سيفشلون بالتبعيه ... الأسئلة كثيرة و الهواجس لا حد لها و فوجئت أنها تشغل بال الكثيرين علي كافة المستويات !!!
أرجو أن يكون النقاش و التعليقات بناءه , فأول طرق علاج المشكلة هو التشخيص الجيد و التوصيف السليم للمشكلة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق