الاثنين، 17 نوفمبر 2014

FB ثـمـن الجـمـال


مررت بموقف في الفترة الآخيرة جعلني - مع مواقف شبيهة اخرى - أفكر ... أن للجمال ثمن لابد من دفعه .ولابد من ضبط بعض المفاهيم التي تتداخل مع هذا الامر . 



فقد أراد الجيران تجميل المنطقة المشتركة الخارجية للدور و طلبوا منا مبلغ ما . الحقيقة أننا لم نتحمس للفكرة و قلنا أن هذا المبلغ أولى به أشياء اخرى و إعتبرت أن التجميل ما هو إلا مرادف الترف . ثم تم الأمر ووجدت أن التجميل قد يكون فعلًا ترف و لكنه ترف مبهج و لكن لابد له من ثمن .

ثم سرحت في قيم الجمال التي يبدي البعض بها إعجابًا ... ما الجمال الذي يمكن أن يأتي بدون ثمن ؟؟ وجدت أنه لا يوجد . 
*فالطرز المعمارية المميزة و الزخرفة و النقوشات هي في الحقيقة تكلفة إضافية فوق تكلفة البناء نفسه ، يدفع ثمنها من يريد الجمال و السكن في مكان جميل .
*النباتات سواء كانت زينة أو لها استخدام ، هي لها تكلفة ما من شراء أصص و تربة و سماد و مبيد و تحتاج لوقت و خبرة للعناية بها . 

*الملابس الجميلة لها ثمن ... فنظرًا لدراستي بعض الوقت لفن التصميم الازيا و الباترون ، وجت اني كي أصمم تصميمًا جديدًا و أخرجه بشكل مناسب و شيك -كما يقول الكتاب- قد أحتاج لإعادة البروفة مرات عديدة ، يكلف ذلك ورق و قماش و اقلام ووقت كثير كي نحصل على المقاس المناسب ، هل لا يوجد برامج علي الكمبيوتر قد توفر هذا الوقت / الجهد/ القماش ؟؟ نعم توجد ... و لكن لشرائها و هي متخصصة و غير متوفرة تحتاج لثروة قد توازي في التكلفة كلفة الورق و القماش و الوقت ... فقد قالت لي معلمة التصميم ذات مرة ، أن بيوت الأزياء العالمية - بغض النظر عن التصميمات الخعبلية - و لكنها غالية السعر لانها لا تبيع التصميم و لكنها تبيع المجهود الذي تم بذله لنحصل علي قطعة مناسبة غاية في الإتقان و الجودة من تصميم و تشطيب و إختيار الوان متناسقة و جودة عالية لصبغ القماش و عوامل كثيرة جدًا ( طبعًا هناك من يحصل علي سعر عالي و لا يقدم في المقابل جودة مماثلة و لكني اتحدث عن مبدأ آخر و هو ان الجمال مكلف و له ثمن )

*القصور الفخمة بالأثاث الجميل و التحف التي تملؤها و تنسيق الحدائق فيها و إستحضار النباتات و العناية الفائقة بها ووجود نافورات مياه كل هذا له كلفته التي لا يستهان بها .  

* المظهر الجميل له أدواته ، كريمات الشعر و البشرة هناك الجيد و الرديء منها و العطور و جودتها لها أثمان لأنه هناك عطور جيدة و ثبته و اخرى رديئة لا تثبت و قد تتحول لرائحة كريهة مع الإستخدام !! 

أي مظهر من مظاهر الجمال سواء شخصي أو على المستوى العام لابد له من تكلفة معينة . تلك التكلفة هي الفارق بين الإنسان العادي و من له حس راقي .

هناك إشكاليات تصاحب هذا الامر ..

1- هل المال هو ما يأتي بالجمال ؟؟
ليس دائمًا ، فليس كل انفاق على اشياء متكلفة بالضروري أن يكون جميلًا . المال بحد ذاته لا يصنع حس جمالي ، الإنسان هو ما يصنعه و هو في حاجة لتقدير ما لهذا الجهد الذي يبذله في سبيل الجمال حتى يستطيع توفير حاجاته و الإستمرار فيه ...  و لكن المال عامل هام من عوامل أخرى للحصول على الجمال . لان الجمال لابد له من تكلفة وقت و إتقان و فراغ ( ارض واسعة ) يمكن ان نضعه فيه . 


2- لماذا لم نعد نشعر بالجمال حولنا ؟؟ 
هذا له عوامل كثيرة مركبة . من ضمنها اننا شعوب منهوبة منذ فترة ، النهب يؤثر علي الكفاءة فلا يضع الناس المؤهلة في المناصب المناسبة لها . فلا يكون هناك تخطيط سليم للمدن و تزدحم حاجات الناس في نفس المكان القديم ( لانه لا يوجد جديد ) و تسيطر رغبتهم الاساسية في البقاء و تصبح اولوية على اي شئ اخر . فأين يمكن أن تجد جمال في مدن مزدحمة مكدسة ؟ هناك نمو طبيعي و توسع للمدن لا يحدث هاهنا فيكون التوسع رأسي ( تهدم العمارات القديمة لتبني ابراج ) و الأفقي يكون لمن يملك اموال غير منطقية فقط ( الكومباوندات الجديدة ) . النهب يقضي علي العدالة الحقيقية في التوزيع ولا يكون هناك هدف اسمي مشترك للجميع و لكن كله يريد ان يأخذ و يهرب لان الدولة تنهار فعليًا ولا احد يريد دفع كلفة البناء و القضاء علي الفساد . كل هذا يؤثر علي الجمال و احساسنا به . 


3- الجمال و الإستهلاك .
النهب و تولية الفاسدين لا يؤثر ماديًا فقط و لكن له انعكاسات طويلة الامد عل الثقافة ، غالبًا ما لا تكون الإرادة النابعة من الشعوب هي المسيطرة و لكن إرادة المتغلب الحاكم بالسلاح . فلم يظهر انعكاس الجمال بشكل مرشد و لكن ظهر بشكل استهلاكي ( رد فعل للفقر و للرغبة في السرقة و الهرب  عدم الاستقرار )  ... و كالعادة حدثت ردة فعل ضد الإستهلاك مطلقًا فلم نقف موقف الناقد العاقل و لكن مجرد رد فعل رافض لكل شئ . و ما اسوأ ان يكون المرء مجرد " رد فعل " و ليس فاعلًا لشئ في مخيلته .
فهناك فئة حالية رافضة لكل انواع الجمال الحالي بإعتباره مجرد كماليات لا لزوم لها . و لكنهم لا يستطيعون الالتزام بكل ما يقولونه حرفيًا فيكون دائمًا بداخلهم شعور بالذنب لدفعهم الثمن الذي يفرضه الجمال دائمًا . أحسب أنه لابد من التصالح قليلًا مع الذات حتى لا يكون الاستمتاع بالجمال المباح هو خلل بالمبادئ تؤنب الضمير دائمًا  . 
أحسب أن هذا انعكاس لتشوه بعض المفاهيم لدينا ، فالزهد الإسلامي ليس هو الزهد المسيحي المتقشف الذي يظهر في صورة الرهبان الذين يلبسون ابسط الثياب و يهجرون الدنيا . الزهد لدينا هو أن نمتلك الدنيا في يدينا ولا تمتلك قلوبنا ، هناك نوعان مصرح الحسد فيهما : منهما رجل آتاه الله مالًا فأنفقه في سبيله ( سلط على هلكته في الحق ) 

الجمال الحقيقي يكون انعكاس لإستقرار نفسي ، و لكن على العكس من ذلك هناك نوعية ملولة دائمًا لا تستقر على شئ ولا عزيز لديها تحتفظ به ، و لكنها تريد التغيير دائمًا ابدًا ( لم يعد الجمال انعكاس لإستقرار داخلي و لكنه اصبح سباق محموم بين الجميع لإبراز التميز بينهم )
ما هو الخط الفاصل بين الإستهلاك و اعتزال الدنيا المذموم ؟ هذا الامر متروك للتقدير الذاتي ، من المفترض ان النفس السوية تتمتع بالفهم و التمييز و تستطيع ذلك دون وصاية نصية ، فهي تستحضر المعنيين عن يمينها و شمالها و تحاول السير بينهما في منطقة وسط . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق