السبت، 2 مايو 2015

عن الصداقة و الزمالة و المعارف و تلك الأمور FB


أحسب أنه من المشاكل المزمنة في بلدنا المنكوب انه لم يعد هناك حد أدني من المفاهيم الإنسانية المشتركة . في المجتمعات الصحية عمومًا هناك حد ادني من المقبول و المتعارف عليه مجتمعيًا ربما يمكننا تسميته " المزاج العام " للبلد ... من هنا ظهرت سُمعات مثل شعب مدينة كذا يتسم بكذا ( مشهور جدًا هذا الامر في القطر المصري ) و لكن الظريف ان المزاج العام للدول العربية ككل هو التفنن في رصد السلبيات و الجزع المبالغ فيه من كل شئ ، يتضح جدًا هذا الامر في تناول امور مثل الطقس , لو كان حار لابد من الشكوي و لو كان بارد لابد من الشكوي كنت أظن ان هذا الامر خاص بالمصريين فقط حتي قرأت مقال صغير* للأستاذ أحمد خيري العمري يتحدث فيه عن هذا الامر لسيدة "بالعراق " فعلمت انه داء شبه مستشري في عالمنا العربي ... 


=======

من ضمن تلك المفاهيم التي تسبب مشاكل بين الناس هي عدم وضوح الخلفيات الثقافية لمن يتعاملون معًا . في اي اطار يضعون العلاقات و الناس الذين يقابلونهم ... يظن مثلا من يجمعهم دراسة واحدة انهم اصدقاء ، و لكنهم يفاجئون ان العلاقة إنتهت بإنتهاء الكلية .. هي لم تكن صداقة و طول التواجد الجبري لا يخلق صداقة في الحقيقة ما لم تتوافر لها مقومات صحية لنموها .


غالبًا التمييز بين المفاهيم ليس واضحًا في اذهان الجميع ... ليس جميع من نصادف هم اصدقاء .. هناك الكثير جدًا من المعارف ، و حتي المعارف لابد من ان يكون لها درجات ... هناك ايضًا الكثير من الأصحاب ( الذين يصحبوننا في رحلة العمر في وقت ما ) و هناك زمالة العمل التي قد تتحول لصداقة و قد لا تتحول و تبق في اطارها و هناك الاصدقاء و هم قله ... و هناك الاصدقاء الاقربون و هو الاقل ( البعض ليس لديهم اصدقاء اقربون )  ربما لان تلك المفاهيم ليست واضحة في اذهاننا و ليست موصفة توصيفًا جيدًا في مجتمعاتنا فهي ليست واضحة و مستعملة عند الكل و للأمانة المرادفات لتلك المعاني في اللغة الإنجليزية اكثر دقة لانهم اكثر استخدامًا لها لانهم بالتبعية اكثر دقة و حزم في توصيف العلاقات .

النمط الصحي في وجهة نظري المتواضعة هو ان يتعامل المرء مع الجميع بإحسان .... يكون له كمية معارف مهولة و بالتدريج و بالتعامل الطبيعي و الظروف الغير مفتعله تنمو بعض العلاقات ... لنمو علاقة ما لابد ان يكون الطرفان علي نفس الموجة الفكرية و في حالة رغبة في العلاقة ... قد يكون انسان جيد و متوافق معي و لكنه ليس لديه وقت او اولوية للصداقة الأن ... او قد يكون هو جيد من وجهة نظري و لكني لست جيدًا في و لست الصديق الذي يبحث عنه جهة نظره و قد يحدث العكس ...   لذا فمن الذكاء الإجتماعي الإنتباه لمن حولنا و معرفه ما هي الحدود التي يرغبون فيها و لا يرغبونها . التعامل بإحسان مع الجميع واجب ... بل إن الرحمة في تعريف الرسول الكريم هي ان نرحم من لا نعرف ( ليست رحمك احدكم صاحبه و لكنها رحمة العامة ) للاسف قلبت الأيه عند البعض و اصبح يرحم العامة و يخذل الاقربين !!!  و هذا من فساد الفهم في زمننا للاسف ..
الاساسي ان يكون المرء حسن الخلق مع الجميع ... و لكن الإختصاص و الميل القلبي لأحدهم دون الآخر له ظروف عديدة للغاية صعبة الحصر . مع ذلك هناك شخصيات إختصهم الله عز و جل بقبول او ما يمكننا تسميته بكاريزما - غالبًا ما لا يكونوا انتقاديين و يحتفظون بآرائهم لانفسهم و يتفادون الصدام مع الآخر ... الصداميين او الواضحين لهم مكانهم و كلا النوعين في الحقيقة مهم لتوازن الامور ... نظريه الرجل الشرير و الرجل الطيب .

============

سألتني إحداهن في مرة : كيف تختاري صديقاتك ؟؟ هل يجب ان تكون قارءة نهمة !! ( اللطيف اني لست بقارءة نهمة من اساسه :D )
كم تبسمت لتلك الصورة المتخيلة عن العلاقات الإنسانية ، نعم هناك حد ادني من الفهم لابد من توافره و لكن الصداقة ركيزتها الاساسية هي الأخلاقيات و التعامل الإنساني و كيميا الروح ... لو كان صديقك علي نفسك علو دماغك في التفكير فتلك هي نعمة عطيمة ، و لكن ماذا سيفيد علو التفكير و الذكاء الحاد إن لم يواكبه خلق طيب او ابسط بديهيات الذوق و التسامح الإنساني و النزول من برج النظريات لرحابة الإنسان ؟؟؟ الذكاء الإجتماعي او حسن الخلق ليس مرادف دائم للذكاء الفكري ...

============


المشكلة غالبًا تقع بين نمطين غالبين مختلفين كليًا عندما يتعاملا معًا ، ولا أحد يضع لافته على جبهته لتقول إلي أي النوعين ينتمي : 


1- النمط الأول قادم من خلفية يغلب عليها التراحم ، فتجد العشم المبالغ فيه ، الدخول السريع في العلاقات - اي حد يتكلم مع اي حد يبقي صاحبه ، و لو شوفته مع حد يبقي صاحب  صاحبه ... فكرة المعارف غالبًا ليست مطروحة ... و بسبب الدخول السريع في تلك العلاقات يكون هناك العتاب السريع في غير محله و قد يؤدي ذلك - خاصة ان كان الاثنين من خلفيتين مختلفتين - لضمور العلاقة قبل ان تبدأ فعليًا ...
 غالبًا ما يتم اختراق التجمعات بمثل هذا الاسلوب المتكرر ، كل واحد يبقي فاكر فلان/ة تبع الطرف اللي بيتكلم معاه و هو/ي مش صاحب حد في الاساس لكنه صاحب الكل و عنده من اللباقة الإجتماعية ما يوحي لكل واحد انه صديق للآخر ، و هو في الحقيقة ليس كذلك .
تجد الصدمات في هذا النمط كثيرة و ذلك لأن هؤلاء لديهم مشاعر جياشة دائمًا و لكنهم يفتقرون في توظيفها بشكل جيد  ... كثير ما يتحمل الناس من هذا النوع شخص يتعامل بأسلوب ليس جيدًا أو يفتقر للذوقيات بحجة التماس الأعذار و ما شابه  (طبعا مع التماس الأغذار و لكن لا يتطور لحدود تؤذي الناس ) و يأتون علي انفسهم كثيرًا قد يصل الامر لظلم المرء لنفسه ... يفضل ان يستمر في صداقة مستنزفه علي ان يتوقف عنها ففكرة خسارة الناس هي شئ بشع لا يمكن تحمله . 


2- النمط الآخر يكون اكثر حساسية و اكثر تطرفًا في مشاعره ... يهتم لنفسه بشكل مبالغ فيه و يكون التسامح عنده بدرجة اقل كثيرًا من الصنف الآول ( ربما يكون الامر ناتج عن تجاهل او كسر للطفل في طفولته او صدمات متكرره دون وجود ارضية صلبة له فيكره الجميع و يتقوقع حول نفسه  ) يفكر كثيرًا جدًا و لان االانسان غالبًا يفكر دائمًا بطريقة واحدة فهو لا يكتشف مكمن الخطأ في تعاملاته لابد من ان يتحلى بصفتين اساسيتيين كي يستطيع التغلب علي نفسه : او يكون لديه الشجاعة ان يعترف بخطأ ما ارتكبه ادي لإنهيار العلاقات
 لا يجب دائمًا ان يكون هو الضحية او المجني عليه قد يكون الخطأ في انه استمر في علاقة ليست صحية و تجاهل كل الإشارات التي تقول بسوء الأخلاق للطرف الاخر و استمر لأنه طن انه لن يصيبه اذي ثم اصيب بمفاجأة كيف حدث هذا السلوك معه ! أو قد يكون هو من استنفذ رصيده لدي الطرف الآخر و لم يعد عنده طاقة كي يتحمله فالظروف تتغير و لكنه لم يدرك التغير لذا فقد الصادقة 

و إلي جانب الإعتراف بالخطأ ان يكون لديه رأيا حكيمًا ليصارحه بمكمن الخطأ كي لا يتكرر مرة اخري ... غالبًا ما لا يتم الإعتراف بمكمن الخطأ و إن تم الإعتراف به يكون من الصعب عدم صبغ كل الاخرين انهم اشرار ... الخير دائمًا موجود كما الشر و لا يجب ان نطبع كل التجارب السيئة علي كل من حولنا و نُسجن في الماضي و تكون هي المرجع مهما تغيرت الظروف حولنا . التجارب السيئة تمر و تكون درس جيد لنتعلم منها و نحاول ان نكمل في طريقنا .
مشكلة من لا يتمكن من التغلب علي الذكريات السيئة انه يصاب بالرهاب من العلاقات فيما بعد ، و لا يستطيع ان يدخل في علاقة صحية بعد ذلك . فتسيطر عليه دائمًا الذكريات السيئة و قد يأتي بأفعال استباقية عدوانية رغبة منه في ان يتقي شر من سبق  في الحاليين ... و لكنه في الحقيقة يقضي علي الفرصة الثانية لأنه الاصدقاء الجدد لا ذنب لهم و ليسوا مسؤولين عن ذكرياته السيئة . هذا النمط يشعر انه لم يعد قادر علي تكوين صداقات و لا ينتبه لتغيرات المرحلة السنية التي تحدث له و للآخرين .... فيتولد لديه شعور دائم بالإغتراب .... كارثة الشعور بالإغتراب إن اصبح نمط حياة أن المرء لا يعود قادر علي الإحساس بالأنس بالناس حتي لو تواجد بجوار مقربين له و يحبونه بصدق. ربما يكون الإغتراب قدر بعض الشخصيات المركبة و لكن لابد ان تمتلك تلك الشخصية الذكاء الإجتماعي كي لا تكمل حياتها وحيدة . البطر الدائم علي الأصدقاء تكون عواقبه وخيمة فيما بعد .... و في نفس الوقت لا يجب ان نجبر انفسنا علي علاقات لا نشعر اننا نرغبها كي لا نتبطر ... هي موازنة كل يوزنها بين المطلوب و المتاح . 


كلا النوعين السابقين لابد من ترشيد أسلوبهم في التعامل ، نحن عندما ننمو في العمر فنحن ننموا اجتماعيًا ايضًا ، و ما كان مقبول سابقًا قد لا يكون مقبول حاليًا عند البعض ... كل شئ موجود . القاعدة الاهم هو حسن الخلق عند الخصومة و إحترام رغبة من يريد الإبتعاد ، فقد يبتعد البعض عندما يجد انه لم يعد قادرًا علي التحمل و هو لا يريد الصدام النهائي .... و لكن في نفس الوقت ليكن عند البعض الدم الكافي في الا يتلاعب بمشاعر الآخرين و يوهمهم انه صديقهم و في لحظة يختفي بعد ان يثقوا به .
تلك التعاملات الإنسانية النفسية لا يوجد كتالوج لها ، و غالبًا ما لا يكون هناك رقيب عليها الا رب النفوس ... فليكن تقوي الله و التعامل معه في الناس هو الاساس ... و ليكن الصدق هو الاساس و يكون الصدق اولًا مع النفس ثم مع الآخرين ، فبعض الكاذبين يكذبون علي انفسهم حتي تكون الحقيقة و الخديعة لديهم سواء و يكونوا هم اول الضائعين . و لأن تلك التعاملات لا رقيب عليها سوي رب العباد ، فغالبًا الله يمهل ولا يهمل . 









==========
* المقال يقول فيه :
كعراقي في بلاد العم سام ، كان أول ما صدمت به هو عبارة الواو wow الشهيرة التي يستخدمها الأمريكيون بكثرة هي وأخواتها (amazing , awesome.. الخ)..
في البداية ، كنت مصدوما بعبارات الواو التي تقال فيما كنت أعتبره أمرا لا يستحق "الواو" ، وكنت أعتبر أن ذلك جزءا من السطحية (وحتى الغباء) التي يوصف بها الأمريكي العادي..
كان الأمر صادما لي بالذات لأني قادم من ثقافة تذمر شامل ، ثقافة لا ترى الواو حتى فيما يستحق كل الواو واخواتها وبنات عمها...
العراقيون (ومعهم السوريون ، ولا علاقة لحزب البعث في ذلك حسب تصوري) يدمنون التذمر على نحو معيق لأي رؤية إيجابية ، لا أعرف الجذور الاجتماعية لهذا السلوك (الذي يعبر عما هو أعمق من مجرد السلوك) ولكني أعي وجوده على نحو واضح جدا ، كان مجرد الانفصال عن الجو العراقي لفترة ، ومن ثم العودة له مجددا ، يجعلك تشعر بكم "التذمر" الذي ننفقه كعراقيين على كل شيء ..
(كنت في الحافلة في الطريق من نيويورك إلى واشنطن ، وأبت إحدى السيدات العراقيات إلا أن تبرهن لي على ما أقول طيلة مدة الرحلة ولم تكن تعرف بوجود عراقي آخر في الحافلة : تعطس راكبة أمامها فيقول البعض bless you وترد مواطنتي "وجععععع" ، يكون هناك زحام في الطريق فتقول "ساعة السودة ساعة الي طلعنا بهالوقت " ، تتصل على الهاتف فتقول لمحدثتها : نيويورك؟ عينا باب الشرقي ! ، الماريوت الي نزلنا فيه خمس نجوم ولكن آني انطيه ثلاثة فقط ! ..تلمح في الطريق علامة تشير إلى Newark (مدينة في ولاية نيو جيرسي) ، فتتصور أن السائق أخطا الطريق وتقول : هذا الأغبر رح يرجعنا لنيويورك!..وهكذا طيلة الطريق ، جرعة تذمر مركزة..)
مع المقارنة بين "الواو" وال "وجعععع" تبينت لي محاسن الواو التي كنت أعدها سطحية أول الأمر,,,
الأمريكيون إيجابيون غالبا.الواو وعبارات الإعجاب تعبر عن محاولتهم رؤية ما هو إيجابي في كل شيء...قد لا يخلو الأمر من سذاجة أحيانا ، لكنه ينتج مجتمعا إيجابيا لا يقف عند المشاكل العابرة ويتطلع دوما إلى رؤية الجانب المشرق من الأمور...
********
في بلادنا بالتأكيد ما يساعد على نشوء ثقافة التذمر.
المشكلة هي أن التذمر لا يغير شيئا ، التذمر على العكس ، ينفس عن وضع نفسي ويترك الوضع الأصلي على حاله..
فرق شاسع بين التذمر ، والنقد.
النقد محاولة للبحث عن أصل الأزمة وجذورها ، أول خطوة في طريق الحل..
أما التذمر ، فهو تنفيس عابر لا اكثر..
******
لو أن أمريكيا قرأ ما كتبت ، لقال غالبا wow !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق