السبت، 21 ديسمبر 2013

FB قواعد العشق الأربعون - بناء المفاهيم

في المقال الماضي ذكرت ما لم يرق لي من أفكار تخللت الرواية الجميلة , فليس معني نقدي لشئ أني رفضته 100% , بشكل عام اتمني أن تزال تلك النظرة , فكرة الرؤية الحدية للشئ , فإما ان تكون بيضاء ناصعه أو سوداء مهببة . في الحقيقة و حولنا لا توجد الثنائيات بمثل هذا الوضوح و تلك المباشرة ... الجمال عمومًا مهم , و جُبِلت النفس السوية على حبه و الميل إليه , فما يخاطب الوجدان أنفذ و أقدر أن يصل إلينا من الافكار المجردة الصماء , لكل سحره و جمهوره على العموم و لكني أتكلم في أن الشريحة الأعرض هى التي تتأثر بالفنون عمومًا .



 هناك معادلة , أحسب أنها لن توجد إلا بتطورنا الفكري و الوجداني , فإن كنت ضد الفن الذي يغلف أو يحمل أفكار فاسدة مستبطنة فأنا أيضًا ضد الفن الموجة ... هناك معادلة في أن يحوي العمل الفني الصراع الإنساني و عرضه بشكل معقول ( لا اريد أن اقول مبالغ في عرض الشر حتي لا نقع في إشكالية تحبيبه للنفس , و لكن نتعرض له لأنه موجد شئنا أم ابينا ) و في أن يعلي في النهاية من قيمة القيم الحميدة بعد وجود هذا الصراع .

هذا الأمر لن يتواجد في الأعمال البسيطة المسطحة التي أصبح يُطلق عليها إسم " أعمال كارتونية " حيث الشر و الخير فيها واضحين بشكل جلي , و لكنه سيظهر في الأعمال الأكثر تركيبية و الأكثر عمقًا -  و التي هي بالمناسبة اكثر واقعية و قبول من جانب القارئ الناضج - و التي تتعرض لكافة جوانب الشخصية بشكل إنساني لا ملاكئي او شيطاني و عرضها كمحصلة " جمع جبري " بالسالب و الموجب , ما أريده فقط أن يغلب المركب الموجب على المركب السالب في النهاية , و أن لا نتمادي في عرض السوالب بشكل قد يجعلنا نقع في فخ تحبيب الشر للنفس و الرغبة في تجريبه . أعتقد أنه عندما نلم بالمعارف الأساسية الإنسانية و في نفس الوقت لا ننعزل في أبراج عاجيه قد نستطيع أن نكتب رواية فنية عالية الجودة أدبيًا و أخلاقيًا أيضًا , فلا تعارض في رأيي أبدًا بين الشيئين , قليلين هم من لديهم موهبة فكرية و يمكن صياغة ذلك في نصوص فنية أدبية ... كان المتنبي و الإمام الشافعي رحمهم الله أمثلة علي ذلك .

و للأسف الشديد , لم أؤتي مثل تلك المواهب , فلا يسعني إلا أعرض الأفكار بشكل مبسط .


الأزمة الأساسية مع منهج الرواية و من يقول لنا أنه يمكن اكتشاف الله من داخلنا , هي أن البشر جميعهم لديهم استعداد فطري للتدين , و غالبيتنا يسعون للقيم و المثل العليا ... و لكن عبادة الله بالطريقة الصحيحة التي يرتضيها ليست بالشئ "الداخلي " الذي يمكن ان نكتشفه دون إرشاد خارجي .

فلقد لبث سيدنا إبراهيم عليه السلام في التأمل و الحيرة في البحث عن إله , تارة يظن انه القمر , و تارة أخري انه الشمس , و لكنه قال في النهاية بعد ان كاد يجن :  لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ( الأنعام 77) و كذلك كان نبينا محمد عليه افضل الصلاة و أتم التسليم , كان يتعبد لله في غار حراء و لكن بدون الوحي لما بزغ نور الإسلام علي العالمين , إذن فالأمر ليس مجرد إجتهاد شخصي كلما بذل المرء فيه مجهود وصل بنفسه . و لم يمت احدهم ثم عاد من الموت ليخبرنا ماذا رأي , هي كلها أمور غيبية و حتمية في نفس الوقت ,  الأمر يحتاج قبس خارجي يرشدنا للطريق الحق .


 * إذن , فنقطة الأصل هي نقطة الوحي .... و كلما تباعدنا عن تلك النقطة بمرور الزمن كلنا ضعف تأثيرة و لذا يبعث الله على رأي كل 100 عام من يجدد لتلك الأمة أمر دينها بشكل صحيح . * ربما لقيت تلك الرواية رواجًا لانها تركز على و الروح و الغيبيات من المنطلق السهل , فحياتنا أصبحت مادية بشكل لا يطاق , الجميع يهرع من أجل لقمة العيش و فصمت عرى كثيرة من علاقات اجتماعية و انسانية في سبيل الحصول علي المادة أو تبدياتها المتعددة . أنهكت الروح بشكل لم يحدث من قبل في تاريخ الإنسانية و كلما بحثنا عن بديل كان بديل ناقصًا , فتلك الأشياء لابد لنا من قبس خارجي و قد ينفني أعمارنا في البحث الزائف أو توهم السعادة . 


* هناك فارق بين القيم المجردة و إتباع الناس لها , فليس معني أن الإنسان غير جيد ولا يطبق تعاليم ما بشكل جيد أن العيب في التعاليم , العيب في الإنسان و ليس في التعاليم فلابد لنا ان نفصل بين الفكرة بشكلها المجرد و بين من يطبقونها . فلا يكفي الإدعاء بأني منتسب لشئ ما , فليس بالإدعاء ينصلح الحال و لكن هو طريق واحد صعب و طويل في البناء و لا بديل عنه . 


* بالنسبة لنقطة الرقص التي ذكرت في الرواية و أنها سبيل شمس التبريزي في التحليق في الكون . هي الفكرة بشكلها المبدئي ليست سيئة , فلابد من ممارسة الصلاة ( اي التواصل ) بيننا و بين الخالق بشكل أو بآخر , و لكن , لأني افترضت أن المعرفة الغيبية لابد أن تلقي إلينا من لدن حكيم عليم , و هي ليست مجرد ابداع خاص لشخص ما , فلماذا هذا الشخص افضل مني لاتبعه ؟ فما المشكلة ان ابتدعت أنا أيضًا شئ و كانت لي سطوة اعلام أو عصبية أو اتباع و روجت لها ؟؟ ما هو معيار التفاضل بين الشئ و الآخر ؟؟ هل لأن ظروفه مكنته من ترويج شئ ما ؟؟ انا لا أتبع الظروف ولا أؤمن انه من تصادفت ان يكون لديه الظروف هو الافضل فقد تكون هناك وسيلة أخري عند شخص ما أفضل أو تناسبني أكثر , سندخل في فرضية احتمالات لا نهائية . بالنسبة للصلاة في الإسلام , فهي لم تكن مجرد من خيال صاحبها و لكنها كانت بركة من لدن حكيم عليم القيت اليه في وحي , و لكنه لم يكن وحي بالشكل التقليدي له و لكن تم الإحتفاء بفرضها كأفضل ما يكون و يليق بها , فقد أُسري بالرسول عليه الصلاة و السلام للسماوات العلي و بلغ ما لم يبلغه أحد من البشر كي يتلقي تكليف الصلاة .... أي جمال و جلال لما بين أيدينا و لا ننتبه إليه ؟؟
الإستفاضة في قصة الإسراء و المعراج مبدعة و تجربة روحانية و جسدية لا مثيل لها ,  أعتقد أننا إن إستحضرنا كل تلك المعاني في صلاتنا لوصلنا لدرجات عظيمة جدًا من التواصل مع الله عز و جل و لفهمنا كيف كان يقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات و أتم التسليم , أرحنا بها يا بلال ( يقصد الصلاة ) . 

ليست الصلاة مجرد تعير عن موقف الإسلام من العالم , و إنما هي أيضًا غنعكاس للطريقة التي يريد الإسلام بها تنظيم العالم . علي عزت بيجوفيتش الِإسلام بين الشرق و الغرب الفصل الثامن الإسلام و الدين . 

يتحدث الفيلسوف و الزعيم المجاهد علي عزت بيجوفيتش في كتابه الإسلام بين الشرق و الغرب عن الصلاة بشكل غاية في الروعة , فهي ليست "دعاء" مثل بقية الأديان , و لكنها تركز في الإهتمام بالجسد ايضًا و تحرص على وجودة نظيفًا بالوضوء , فالطهارة شئ هام و ليس مثل بقية الأديان ان الزهد و عدم الاهتمام بالجسد ينمي الروح , تنمية الجسد و الروح مهمان في الإسلام ... لذلك كانت الصلاة تقوم بحركات بها و ليست مجرد مناجاه قلبية او دعاء باللسان فقط .  أنصح بهذا الفصل بشدة و للأسف لن يسعني الوقت للإستطراد به . 


* من الأفكار الكارثية و التي تختلط علي البعض و قد لا ننتبه إليها فكرة " وحدة الوجود " الفكرة ببساطة شديدة أننا نؤمن أن الله ليس كمثله شئ , و لكن هناك فكرة أخرى تقول أن الله قد يوجد في مخلوقاته , فهو قد يوجد في قلب المؤمن مثلًا , الصواب أنه يوجد قبس من نوره في قلبه و كل ما يخلقه الله ليس هو بنفسه (تعالى عما يقولون )لماذا هذه الجملة خطأ ؟؟ لانه ببساطة الله مقدس , فهل عندما يحل الله في شئ يكسبه قداسة و مناعة و عصمة من الخطأ ؟؟ تبعيات  تلك الفلسفة كما قيلت جملة في الرواية , أن الناسك إن دخل الحانة أصبحت محرابه , لأنه معصوم , لان الله يحل في قلبه . و هذا كله سخف شديد .  لا أريد تكرار أنني لست ضد عرض الأشياء و لكن لا تكون هي المآل و المنتهي الذي نقتنع به . 
يمكن الإستزادة في تلك النقطة بقراءة كتاب د. المسيري غاية في الإمتاع " اللغة و المجاز بين التوحيد و وحدة الوجود " هو يقول ان وحدة الوجود عكس التوحيد و يتتبع الأفكار و يرى إلي ماذا تصل الفكرتين . 


*عندما تحب الله و لكن في نفس الوقت تحتفظ بالمسافة التي تفصلك كمخلوق بالخالق عز وجل ولا تضيع الحدود , ستستشعر في قلبك رهبة عظيمة , ستشعر إن هذا الإله هو الجدير بأن يعبد , فهو ليس كمثله شئ ولا يحل في مخلوقاته بل هناك مسافة تفصله بينهم , حينما سنفهم لماذا يكون أقرب ما يكون العبد من الله و هو ساجد , لأنه بسجوده في صلاته العظيمة التي اسري بالنبي ليكلف بها , تكون هي معراج العبد الحقيقي لله . مناجاه العبد لربه و هو ساجد عظيمة للغاية .



=======================

لماذا اقول ذلك و قد يكون شئ بديهي عند البعض ؟؟ لا أقصد إدانة او تضييق على أحد , و لكن لأن أمور العقيدة المبسطة لم تعد من البديهيات كما كنا نحسب من قبل , و التذكير بها واجب . قد لا ننتبه إليها نحن و لكن قطعًا لابد من التذكير بالاساس الغير موجود عند الغالبية للاسف . لعل كلمة مما قلت تقع موضع حسن في نفس أحدهم يواجه حيرة من امره , فالكلمات غرس لا ندري أين ستنبت و متى , و هذا يكفيني .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق