السبت، 17 مايو 2014

FB أين المفر ؟


عندما أسمع عمن يريد السفر للخارج, و أجده يتلو مميزات العيشة خارجًا في أنه يريد أن يُعامل بشكل آدمي , و يتحدث عن التسهيلات في كل شئ في المعيشة و الحياة عمومًا ... يستوقفني هذا الأمر كثيرًا و اتفكر 

أتفكر في طريقة التفكير التي تتناول الأمور , هل من يردد هذا الكلام فعلًا رأى ما يسوؤه ؟ هل هو مدرك فعلًا لما هي مشكلة البلد التي يعيش فيها ؟؟ أم انه مجرد انسان كسول يريد رغد العيش و الرفاهية بأقل القدر من التعب و المعاناه ... 


طبعًا من حق الجميع أن يعيش عيشة كريمة و يعامل معاملة لائقة , هذه بالطبع بديهيات, و لكن ما أتحدث فيه هي نقطة أخرى سأحاول إيضاحها لأنها دقيقة للغاية و قد لا تبدو منذ الوهلة الأولى ... 


البلد لا تتكون من أناس آخرين غيرنا , البلد ببساطة تتكون منا , كل إنسان - شاء أن أبى - يحمل بداخله كزء من امراض المجتمع الذي يعيش فيه , ببساطة لأنه إن لم يتمكن من مجاراته لتعب للغاية و بدي - كإنسان فضائي - و هناك تجربة إنسانية راقية للغاية عايشتها بجزء كبير من كياني إستنتجت منها أن هناك "قيم" جامعة تكون موجودة في الفضاء الإجتماعي , لم يضعها أحد بعينه و لكنها متركمة بشكل ما , تتمثل في المجموع في لحظة معينه فالقيم مختلفة بإختلاف التجارب التي تمر على المجموع  , بصورة أو بأخرى تختلف شدة تلك القيم بإختلاف الشخصيات و لكن يظل هناك حد أدني من تلك القيم الجامعة عند الأفراد المكونين للتجمع المعين , بالطبع هناك شخصيات مؤثرة و فاعلة إجتماعيًا و يمكننا تسميتها مجازًا بمن يمتلكون الفلسفة الإجتماعية و البوصلة التي تمكنهم من إنتقاد فعل بثقة أو الرضى عن فعل و تقبل الخلافات , و هناك شخصيات تتبني تلك القيم الجديدة عليها لأنها تجدتها قيم جيدة ولا تتعارض مع ثوابتها  , و هناك شخصيات لا تتبني القيم ولكنها تنصاع لها بإنصياع المجموع لها . و إن أتيحت لها الفرصة ستظهر بشخصيتها الحقيقية و لكن الشخصية الإعتبارية للكيان تؤثر عليهم .

الامر له عدة جوانب إيجابية و سلبية , لأنه قد يكون السياق العام فاسد , فسيكون من الافضل أن لا تنصاع  له كليًا و لكن مظهريًا فقط , و لكن إن كان السياق العام كله صالح و انت لازلت تتمسك بعاداتك التي قد تكون فاسدة , فستظهر في اوقات معينة 


 هذا الامر يصلح في الكيانات الصغيرة نوعًا ما , عمل أو مدرسة أو تجمع أصدقاء متوسط العدد , و يصلح بصورة أقل في الشعوب لان عوامل التأثير تكون اكبر من ذلك و لكن الامر قد ينطبق على الشعوب بمجمله . 

لماذا اقول ذلك ؟؟ لأنه ببساطة قد يضجر المرء من سلوك في الناس , و لكن إن فعله هو يتشدق بمبادئ التماس الأعذار أو ما شابه !! الكيل دائمًا يكون بمكيالين ( حلال لي و حرام على غيري ) قد يضجر من عدم الإهتمام في وسيلة ما أو في دقة مواعيد و يجد انه هو نفسه لا يؤدي ما عليه و يتعلل بأعذار لا حد لها , أعلم ان هناك فعلًا مشاكل حقيقية , و لكن يبقي السؤال ... هل فعلًا تلك التعللات هي تعللات حقيقية و يريد أن يؤدي الأداء الافضل , أم أن المرء تتطبع بتلك الطباع و اصبح التعلل جزء من شخصيته  ؟؟ هل لا يجد الرء نفسه حقًا أم أنه ببساطة لم يتعلم فضيلة الصبر ؟؟ فضيلة الصبر من أهم الفضائل و هي المفتاح الأساسي للنجاح الحقيقي مهما ظهرت من نظريات تنمية بشرية و ما شابه ... 

أذكر أن قريبة لنا سافرت لندن ذات مرة ( و العهدة عليها بالطبع فأنا لم اسافر شخصيًا :) ) و قالت لنا أن سلوك الإنجليز أكثر تحضرًا في التعامل مع الزحام !! فتلك المدينة شوارعها ضيقة و العربات تسير ببطئ , هي تسير و لكن ببطئ و لا يتضجر أحد ولا يفتح أحد تنبيه سيارته لانه ببساطة الوضع معلوم للجميع , و بإعتياد المشوار المعين لا يتعلل أحد بالزحام فهو يعرف ان الطريق بطئ و سيأخذ كذا من الوقت و يفعل حسابه على ذلك !! 
لنأتي لتطبيق هذا الامر عندنا 

الحكومة التي لا تعمل ستطالب المواطنين المساكين بسلوك مسلك اللندنيين في التعامل مع الزحام و ان يتعاملوا معه بهدوء دون ضجر كما يفعلون ... و لكن هل فعلًا الحكومة تؤدي ما علينا لتطالب الناس بذلك ؟؟ لا أطن .
بالمقابل , هل لو حاولت الحكومة تأدية ما عليها , هل سيتفهم الناس ذلك ؟؟ أم سيطالبون بعصا سحرية تعالج التراكمات الفاسدة لعدة عقود و لن يطيقوا صبرًا على الحل الحقيقي ؟؟
هل تطبع الناس بطابع الضجر عمال علي بطال , أم أن سلوكهم سيتغير مع تغير الإدارة ؟؟
و هل تؤدي الإدارة ما عليها حقًا كي تطالب الناس بالصبر لحصاد النتائج ؟؟؟ 
اعرف الإجابة و لكن الامر ليس هو موضوع الكلام الذي يشغل صدري و أضيق به . 

لنعود 

عندما يُذكر موضوع السفر للخارج , اتسائل , هل انا مؤهلة أصلًا لهذا العالم او ما نسميه علي سبيل التندر ( كوكب اليابان أو كوكب أي دولة أخرى  ) هل أنا مؤهلة للعيش في هذا الكوكب المختلف عنا بكل فضاؤه و قيمه التي قد افتقد منها كثيرًا - و أعاني منها في المكان الذي ولدت فيه - هل أنا مجرد فم يريد و يريد و يريد و غير قادر علي العطاء ؟؟ أم لابد أن ادفع الثمن أضعاف مضاعفة كي اعيش حياة آدمية ؟؟

المشكلة أني و من يشبهوني ليسوا كثيرين ((حتى لظننت لبعض الوقت ان فكرة زواجي قد تكون دربًا من الخيال العلمي و لكن أحمد لله كثيرًا علي نعمائه )) نحن نجد بعضنا البعض بصعوبة بالغة , فلسنا ننتمي لشئ قد يكون فيه تعازينا أو سلوانا النفسية و يشاركنا أدبيات المظلومية , و الحد الأدني من القيم و الآخلاق للاسف في تجريف مستمر و هناك حد أدني من الوعي الديني الحقيقي الذي قد يكون موجودًا و لكنه هامشيًا عند البعض ... نحن في مجتمع للأسف أصبح يغلب عليه الطابع العلماني؛ بمعني فصل القيم عما يأتيني بالخبز أو عما فيه مصلحتي . ميزة هذا المجتمع الوحيدة هي أنه قد يفاجئك كل حين بمن يجمع الحسنيين و من يشبهوننا , لكن ف يالمجتمعات الخارجية ستظل غريبًا , فالقلة من المسلمين هم من يرتادون الخارج ( أقصد الغرب الاوربي المتقدم و ليس دول الخليج ) و من يخرج يخرج بآفاته العقلية و أزمات المجتمع الإسلامي المأزوم ولا يكون مؤهلًا فعلًا للتعامل مع الحضارة الجديدة , فهو يشيطنها جملةً واحدةً ثم ينكب على الخلافات التي عفى عليها الزمن , طبعًا الا من رحم ربي و هؤلاء ليس من السهل أبدًا إيجادهم أو أن يتصادف أن تتواجد في نفس المدينة التي يسكنون بها .  

من يسافر ممن نعرف يتركنا في غربتنا هنا , و يذهب هو لغربة أخري على أمل أن يجد معاملة آدمية و أن يعيد تأهيل نفسه للتعامل مع المجتمعات الإنسانية الملتزمة الصارمة بكل قيمها الغريبة و الجديدة عليه , قد يدفع الثمن باهظًا جدًا و قد ييسر الله له عمل و صحبة , و لكن سنبقي هناك غصة في حلقه يتجرعها عندما يتذكر أنه ليس واحدًا من افراد هذا المجتمع , و للأسف لم يعد قادرًا علي العيش وسط مجتمع القديم اللا إنساني الذي آتى منه .


يا رب دبر لي فإني لا أحسن التدبير ... 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق