الخميس، 28 يناير 2016

محور الإرتكاز

بعض الأفكار التي تقرأها تصف حالة معينة  قد يشعر بها  المرء ولا يمكنه توصيفها ، تلك الافكار هي حل لمعضلة تواجهني ، و لسْتُ ممكن يتقمص الحالات و الافكار و لكن تلك الافكار تحل معضلة متواجدة لدي بالفعل

من تلك الأفكار التي قابلتني قريبًا فكرة : الحياة السائلة التي ناقشتها د. هبة رؤوف لتقديمها كتاب الحياة السائلة لزيجمونت بومان .
كانت تواجهني تلك المشكلة منذ مدة ، و هي اني انسي تمامًا الأشياء التي تمر علي .. اتذكر الاحداث القريبة  و لكن ما يعكر صفوي امسحه تمامًا من الذاكرة و انجح في ذلك ... تتبعت الامر فوجدت انه كان حيلة دفاعيه لنسيان الاحداث الجِسام في حياتي و علي رأسها وفاة والدتي رحمها الله ... منذ وفاتها و قد اصيبت بحالة صدمة شديدة ...


عقلانية كنت اتمني موتها لتتخلص من العذاب المقيم للمرض اللعين ، و مع توقعي للوفاة اصبت بذهول تام حتي عجزت معه عن البكاء (
و كالعادة اخي لم يستوعب ما بي و ظني اني اكابر علي البكاء ، خاصة انه ووالدي بكو و لكني كنت في حالة صدمة مروعة عجزت حتي معها عن قراءة القرأن و اكتفيت بالدعاء بقلبي ) في الايام التي تلك ذلك كنت في الامتحانات لآخر سنة في الكلية ، ثم اشغلت نفسي بالعمل و كان البيت باردًا للغاية بدونها ، و كانت تهاجمني الذكريات و تجدد علي تعبي ، فقررت - دون وعي - ان اقتل الذكريات ، بأن احرم نفسي من التفكير بها ، حتي ماتت بداخلي و لم تعد تتعبني الذاكرة و الذكريات ... و لكن حدث شئ سئ من ذلك الحين و هو اني لم اعد احتفظ بأي ذكريات ان كانت !!!

تذكرني صديقتي التي استبقاها الله لي منذ المرحلة الثانوية بأشياء اشعر اني اول مرة اسمعها ، اعيد التفتيش في حقيبة الذكريات فقد كنت اكتب المذكرات منذ الصف الخامس الابتدائي ووقعت بالصدفة يدي علي هذا اليوم الذي حكته لي الصديقة و ارسلت المخطوط لها .. كأني اقرأ اشياء لشخص اخر غيري عاش و لكنه يحمل اسمي و نفسي ... تذكرني تلك الصديقة بأشياء فعلتها في الكلية ، و انا لا اذذكرها البتة ، ثم يذكرني زوجي الجميل ببعض الاشياء التي صادفتنا في بدء التعارف و بدء الزواج و كأنها لم تمر بي ابدًا ... ليست لدي ذكريات لثورة يناير لاني فعليًا لم اشارك بها و كانت تلك الفترة قطعة من العذاب النفسي لأسباب معينة و قد مُحي من ذاكرتي هو الاخر . توقفت عن قراءة الكتب و رؤية الافلام  لانها تنمحي كأن لم تكن بعد فترة ... بل اني توقفت عن حفظ القرآن الكريم لنفس السبب عندما قرأت حديث صحيح عند احدهم انه من يحفظ القرآن ثم ينساه فعقابه اشد ...
 بإختصار انا انسانة بلا ذكريات = مستغرقة في اللحظة الآنية و فقط .. و لولا التايم لاين للفيس بوك لضاعت مني اشياء و اشياء اكثر ... و اصبحت اوثق بالكتابة قدر الامكان ما يمر بي ، لاني اشعر ان حياتي فارغة و لكنها ممتلئة للغاية و اكتشف ذلك عندما اطالع ما كنت اكتبه عما مر بي سابقًا قبل ان اتوقف عن التدوين ايضًا .

ربما ساعد علي شعوري بالسيولة هي اني لا اجد اي شئ افعله و يكون ذي قيمة ، حتي الكتابة التي احبها اكتشفت اني غير موهوبة بها و لا يهتم لها أحد الا من يهتم لي شخصيًا و لكني فشلت في تكوين جمهور للكلمة منفصل عن جمهوري الشخصي .
و لكن لا بأس فلأمارس ما أحب بعيدًا عن الضجيج :)

المهم ان الإنسان لابد له من نقطة ارتكاز في حياته السالة كي يستمد منها تعريفه لنفسه ... نحن نستمد من الله - عز و جل- ارتكازنا الديني ، و لكل منا هذا المحور ادركه ام لم يدركه بحكم التعود ان التماهي مع الحياة و لكنه موجود ... بعد تفكير طويل وجدت ان محور ارتكازي في تلك الحياة هم زوجي و ابنتي في المقام الاول ، و ليس معني كلامي هو التماهي غير المشروط او نسياني لنفسي ، بالعكس .. ليس هذا ما اشعر به معهما ، تعلمت ابنتي تأجيل حاجاتها إن كنت مشغولة في شئ هام ، و زوجي بارك الله له في الدارين ليس من النوع الأناني ابدًا ... ارتكازي نفسي و معنوي بالأساس مع استقلال تام لي في الافكار  و الميول و الإهتمامات ... هو ارتكاز طوعي بشكل كامل و لكنه في غاية الأهمية لي ، يري المرء نفسه في عين من يحبونه و يستمد تعريفه منهم ... و بدونهم هو العدم ، نعم له وجود مادي و لكن من يشعر به ؟؟ كما هي الكلمات ميته حتي يقرأها من يفهم ... هكذا نحن ليس معني كلامي ان هذا هو محور الارتكاز الوحيد في الحياة ، كثيرين بدون زواج و استطعوا ان يجدوا انفسهم في اشياء متعددة ، في شغف ما ، في قضية ، في شئ ما ... و نظرًا لفشلي التام في بقية المجالات ... فأظن ان هذا المجال هام جدًا لي و منه استمد ارتكازي و بدونه اصبح في غاية السيولة .

 والدي اطال الله عمره و باركه في الدارين هو مركز الوجود المادي ، و لكن محورالارتكاز شئ آخر ، والدي يعطيني نفسيًا حتي الأن  و لكني في حاجة لان أعطي انا ايضًا و استمر في الآخذ فقط ... و كل تلك الاشياء المادية لا تتعارض مع الله ، نحن ناقصون بالفطرة و يعطينا الله الموجودات المادية كي تعوض ذلك النقص المادي . فالله هو الاول و هو الآخر و كله منه و إليه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق