الاثنين، 6 يناير 2014

FB الحكمة ضالة المؤمن ...

في ثقافتنا الشرقية الإسلامية , لم نحتاج كثيرًا للخوض في غمار الفلسفة , و ذلك لأن إجابات الأسئلة الكبرى و النهائية كانت موجودة في موروث افكارنا ( ما هي الغاية من وجودنا ما هو الإله ... إلخ ) فلم تكن لدينا أزمات وجودية عويصة و حادة من النوع الموجود في الثقافات الغربية عمومًا . كانت ((لا إله الا الله )) اصل كل الثوابت و كانت هي اساس المطلقات الأساسية ولا مجال للخلاف عليها . و الأشياء النسبية ( القابلة للخلاف ) موجودة و لكن لا يزال هناك نقطة اساسية لابد ان نرجع إليها و كان هناك علم يمكنك من العودة لأهل العلم لحسم الخلاف أو للأخذ بأي الاراء في المذاهب المختلفة . فهي اجتهادات و لكنها لازالت ترجع لنقطة اصل ثابته ( التوحيد ) . 



أما في الثقافة الغربية فالامر كان مختلفًا . قد مرت بعدة مراحل , اليونانية و الرومانية و الفلسفات القديمة , ثم المسيحية ثم العودة للعلمانية بتحجيم دور الكنيسة في الحياة العامة و الفكرية و بقائها فقط في حيز الاخلاقيات الخاصة , و تآكل هذا الأمر تدريجيًا بمرور الأجيال ...  و إزدهار نوعيات أخري من الفلسفات لتعوض غياب الجانب الديني بغياب سطوة المسيحية علي الافكار و الحياة . في الفلسفات الحداثية /المادية عمومًا  , لم تكن هناك نقطة أصل اساسية ثابته ,بل كان العقل/الإنسان هو المركز و الأداة ثم ظهرت فلسفات تتمحور حول الموضوع ( الطبيعة ) بدلًا من الذات ( الإنسان ) و سقط في النسبية ... و بظهور تلك الأسئلة الوجودية و تسببت في أزمات فكرية عميقة و حادة - أحسب أن تك الاسئلة في الفطرة الاساسية للأنسان لانه لا ينتمي بالكلية لهذا العالم كما يقول بيجوفتش , فهو دخيل علي ذلك النظام الطبيعي/المادي لذا أرقته منذ الأزل تلك الأسئلة و حاول ان يبحث عن إجابات منطقية ترضيه لها ,  و نظم الفلسفة منذ الأزل لتوثيق تلك المحاولات و مراكمة هذا الامر , فكان كل جيل يضيف علي الجيل السابق له و يطور الأطروحة و تزداد تعقيدًا و تشابكًا , في محاولة يائسة لفهم ما لا يمكن فهمه و الإحاطة بشئ اكبر من العقل بالعقل , فكان هناك تراث ثري للغاية و لكن ظلت هناك نقطة لا يمكن عبورها بالعقل وحده دون معين خارجي ( وحي سماوي) . 


 هذا هو المختصر المخل للافكار الاساسية التي تحكم كل من الغرب و الشرق . 



و لكن و علي مستوى العامة و البشر العاديين , لا يكون الامر بهذه الحدية و هذا الوضوح , و قد تتداخل عوامل عديدة في هذا الامر بإختلاف شخصيات الناس نفسها و عوامل كثيرة , و لكن يظل هناك انعكاس معين من تلك الافكار يطل بظلاله علي الاشخاص و افكارهم و ممارساتهم . 


بعد مرور الزمن خاصة علي الشرق , فقدنا كثيرًا جدًا من معيننا القيمي و الثقافي و ما وصلنا إليه هو مزيج مشوه ظلال ثقافية قديمة و محاولات انفعالية كرد فعل للهزيمة التي منينا بها و لازلنا نرتع فيها .
الظلال الثقافية التي وصلنا من وجود مركز اساسي و عدم وجود نسبيات الا بالإشتقاق من هذا المركز تمثلت في عدم القبول بالآخر مطلقًا . فوجود مركز ثابت في الثقافة هو شئ هام و لكن مع الجهل و لاننا منهزمين فشعرنا أن اي حيد أو اختلاف هو بالظروره مؤامرة علينا فأصبح رد الفعل عنيف للغاية تجاه اي اختلاف  و فقدنا خلال ذلك قيمة تقبل الآخر و بالتبعية الإثراء الذي يحدث من إختلاف الآراء ... و ما وصلنا إليه هو مجرد تعصب للراي ظنًا منا اننا بذلك نحفظ ما تبقي لنا من قيم , الزعم أن الحق و الصواب معي و الآخر هو الزنديق !!! هذا الامر موجود بنسب متفاوته في الناس و حكمهم علي الاخرين . و يظهر ذلك في ابسط الأشياء علي المستوي اليومي للافراد , حتى قبول البعض لطعام معين و عدم قبول الآخرين له , صياغة بعض الأفكار أن الفتاة التي تدرس الطب لا تصلح كزوجة لانها ستكون منشغله ناسين او متناسين ان طعام زيد سمًا لعمرو و أن ما يناسبني قد يضر غيري بشدة , أو ان الجمال في البيضاوات دون غيرهن , الكاريكاتيرات  التي تظهر لتناول قضية ما , و حتي الإنتقادات التي يتوجه بها المختلفين في الآراء بعضهم لبعض . نمط واحد و فقط هو الصواب و ما دون ذلك فليذهب للجحيم .

 نحن نزعم قبولًا للآخر و لكن ان فندت القضايا لوجدت ان الجميع يقول اني اه اقبل الخلاف و لكن لا يمكن التنازل في تلك القضية او هذه المسالة ... لانها قضية حياة او موت , و نجد ان كل القضايا اصبحت قضايا حياة او موت !!! لماذا ؟ لاننا فقدنا الثقة في انفسنا فعلا لعوامل كثيرة ( بعضها صواب بالمناسبة و بعضها خاطئ ) فأصبحنا نتوهم ان كل شئ هو مخطط كوني ضدنا و هدفه هو القضاء علينا . 


ازعم ان الغرب يحترم الآخر بصدق فعلًا ( و هذا قلنه لي صديقات منتقبات في الولايات المتحده فهن لا يتعرضن مثلا للمضايقات التي تتعرض لهن المنتقبات في مصر ) لانه لا يزال يؤمن بالنسبية و انه قد يكون صواب فعلا و قد يكون خطأ , و هذا مجرد اجتهاده و عليه ان يتقبل إجتهادات الآخرين !  
هل هذا معناه مثلا ان الغرب لا يسخر ؟ بالطبع هو يسخر و له باع صعب للغاية في هذا الامر , و لكن في نفس الوقت هناك ثقافات او لنقل معين قيمي حقيقي لدي الافراد . و من يناضلوا في هذا الامر يحصلوا علي حقوقهم و لو بعد حين . 


---------------------------------------------


هل معني كلامي أن نتخلي عن الثوابت و ننجرف للنسبي كي نكون اكثر تسامحًا مثل الغرب ؟؟ 

طبعًا هذا فهم سقيم و مجتزء للكلام . بالطبع لابد أن نري كل نقاط القوة التي نملكها في ثقافتنا و لا نتنازل عنها , و لكن لنقومها و لنضعها موضعها الصحيح فانتقاد الذات هي في الحقيقة محاولة للاصلاح و النهوض به . من لا يري في نفسه عيب لن يتطور ابدًا و خاصة اننا بالفعل لدينا مشكلة حقيقية في المعين الاخلاقي و الثقافي للقيم للأفراد هنا . فخامة المواطن لدينا غاية في السوء و تسير من سئ لأسوأ الا من رحم ربي , و هذا الخلل في المواطنين هو ما يجعل تطبيق الاسلام تطبيق بشع ثم نعود لنلصق التهمة علي الاسلام !!! الكوب المتسخ حتى و إن حوي ماء رقراق فلسوف يلوثه . 

الأمر و ما فيه فقط هو النظر لأنفسنا بصدق و محاولة رصد مواطن الخلل لتحسينها . 
هل معني ذلك ان الغرب عبارة عن ملائكة ولا يختلفون مع بعضهم البعض ؟؟ بالطبع لا .


فهذه النظرة من الافكار الطفولية الساذجة ( العبوا مع بعض متتخانقوش ) فالاختلاف سنه و واقع و لكن هناك آداب للخلاف و الإختلاف لابد أن تراعى , فحتى في الإختلاف هناك مستويات لابد من فهمها و عليه التعامل مع الإنسان المختلف . هناك من يختلف في الاراء و لكن من الناحية الإنسانية هو من اقرب المقربين , التعامل مع هذا لابد أن يختلف مع من يشترك معي في نفس المعسكر الفكري و لكني لا اطيقه إنسانيًا !!! فليبتعد الانسان ببساطة عمن لا يطيقه و فقط :) هذا امر سلس للغاية و طبيعي ان لا يطيق كل الناس كل الآخرين , و هناك من يختلف فعلًا علي قضايا حقيقية و فاصلة !!! و هذا وارد و لكن لا يجب الافراط و اعتبار كل خلاف هو خلاف فاصل عقدي ...


و الفكرة في التعامل مع هؤلاء المختلفين بالقسط , فلا يمنع الخلاف من ان احكم بالعدل أو اقول كلمه عدل في حق من قد اختلف معاه في الآراء أو أنسانيًا ... و قد ذكر القرآن الكريم هذا الامر في عدة مواضع و شدد و كرر عليه . (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) 8 المائدة 

أعتقد إن امتلاك النفس و التعامل بالحسني ( في موضعها ) و عدم البقاء دائمًا في خانة رد الفعل من الآخرين هو أول درجات الاستقلال النفسي من التبعية , فهذا امر نراه كثيرًا و يكون ملتبس ولا يمكن توصيفه . دائمًا ندور في فلك الآخرين و دائمًا ما نبني اراءنا و ردود افعالنا عليهم . نعم لا ننعزل و نعرف ما يقولوا و لكن لنتخير المعركة و لنكون نحن الفاعلين و لنترك للآخرين رد الفعل :)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق